فَصْلٌ وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا، أَوْ مَحْلُوبًا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلِبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمَعَارِضِ، وَقِيلَ: إِنْ أَقَرَّ بِبَيْعِهِ، أَوْ غَصْبِهِ، أَوْ جِنَايَتِهِ، وَهُوَ مُوسِرٌ كَإِقْرَارِهِ بِنَسَبٍ مُطْلَقًا، صَحَّ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ رَهْنًا كَالْعِتْقِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ إِقْرَارُهُ مَجَّانًا، وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ.
[الرَّهْنُ الْمَرْكُوبُ وَالْمَحْلُوبُ]
فَصْلٌ (وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا، أَوْ مَحْلُوبًا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلِبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّهْنَ يَنْقَسِمُ إِلَى حَيَوَانٍ، وَغَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: إِذَا كَانَ مَرْكُوبًا، أَوْ مَحْلُوبًا.
فَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَأَحْمَدِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلِبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ (مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ وَلِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ فَجَازَ، كَمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَخْذُ مُؤْنَتِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، لَا يُقَالُ: مِنْ مَنَافِعِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الرَّاهِنَ يُنْفِقُ وَيَنْتَفِعُ؛ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ بِمَا رُوِيَ: إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً، فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَفُهَا. فَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ هُوَ الْمُنْفِقَ فَيَكُونُ هُوَ الْمُنْتَفِعَ، وَقَوْلُهُ: بِنَفَقَتِهِ أَيْ: بِسَبَبِهَا، إِذِ الِانْتِفَاعُ عِوَضُ النَّفَقَةِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَأَتَّى مِنَ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا الرَّاهِنُ فَإِنْفَاقُهُ، وَانْتِفَاعُهُ لَيْسَا بِسَبَبِ الرُّكُوبِ، وَلَوْ تُرِكَتْ لَذَهَبَتْ مَجَّانًا، وَكَذَا اللَّبَنُ لَوْ تُرِكَ لَفَسَدَ وَبَيْعُهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا مُتَعَذِّرٌ، وَالْحَيَوَانُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ، فَقَدْ يَتَعَذَّرُ مِنَ الْمَالِكِ وَبَيْعُ بَعْضِ الرَّهْنِ فِيهَا قَدْ يُفَوِّتُ الْحَقَّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا أَنْفَقَ مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ، فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَنْتَفِعْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ إِنْ فَضَلَ مِنَ اللَّبَنِ شَيْءٌ، وَلَمْ يُمْكِنْ بَقَاؤُهُ إِلَى حُلُولِ الدَّيْنِ فَلَهُ بَيْعُهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَإِلَّا بَاعَهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ: لَا يَحْتَسِبُ لَهُ بِمَا أَنْفَقَ، وَلَا يَنْتَفِعُ مِنَ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ لَهُ غُنْمُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute