فَصْلٌ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ، كَدُخُولِ الدَّارِ، وَمَجِيءِ الْأَمْطَارِ، وَلَا يَمْلِكُ إِبْطَالَهَا بِالْقَوْلِ، وَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ، عَادَتِ الصِّفَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ وُجِدَتْ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَهَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَتَبْطُلُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ]
فَصْلٌ
(وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ كَدُخُولِ الدَّارِ، وَمَجِيءِ الْأَمْطَارِ) لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، فَصَحَّ كَالتَّدْبِيرِ (وَلَا يَمْلِكُ إِبْطَالَهَا) أَيْ: إِبْطَالَ الصِّفَاتِ (بِالْقَوْلِ) لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ شَيْئًا، فَلَمْ يَمْلِكْ إِبْطَالَهُ بِالْقَوْلِ، كَالنَّذْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ رِوَايَةً: إِنَّ لَهُ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ (وَلَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَإِجَارَتِهِ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ، إِذِ الْعِتْقُ لَا يَقَعُ إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَلَهُ وَطْءُ الْأَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَالتَّدْبِيرِ، وَعَنْهُ: لَا ; لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ غَيْرُ تَامٍّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ، فَمَتَى جَاءَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، عَتَقَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ، لَمْ يُعْتَقْ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفًا، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهَذِهِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ، لَا سَبِيلَ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِلْعَبْدِ إِلَى إِبْطَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ، فَإِنْ أَبْرَأَهُ السَّيِّدُ مِنَ الْأَلْفِ، لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ، وَلَمْ يُعْتَقْ إِلَّا بِمَجِيئِهَا، وَمَا بَقِيَ فِي يَدِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْأَلْفِ مِنْ كَسْبِهِ، يَكُونُ لِسَيِّدِهِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ.
فَرْعٌ: لَا يُعْتَقُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ بِكَامِلِهَا، كَالْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِصِفَةٍ، فَوُجِدَ بِوُجُودِ بَعْضِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إِنْ أَكَلْتَ رَغِيفًا، فَأَكَلَ نِصْفَهُ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِأُمُورٍ، مِنْهَا: أَنَّ مَوْضُوعَ الشَّرْطِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمَشْرُوطُ بِدُونِ شَرْطِهِ.
(فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ) بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهُ (عَادَتِ الصِّفَةُ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَتَحَقُّقَ الشَّرْطِ مَوْجُودَانِ فِي مِلْكِهِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ وُجِدَتْ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَهَلْ تَعُودُ بِعَوْدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهَا لَا تَعُودُ ; لِأَنَّهَا انْحَلَّتْ بِوُجُودِهَا فِي مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِذَا وُجِدَ مَرَّةً، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute