بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَهِيَ مَا أُجْلِيَ عَنْهَا أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ، فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ يَكُونُ أَجْرُهُ لَهَا، وَعَنْهُ: تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ]
ِ. (وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ، أَحَدُهَا: مَا فُتِحَ عَنْوَةً) أَيْ: قَهْرًا، وَغَلَبَةً، وَهُوَ مِنْ عَنَا يَعْنُو: إِذَا ذَلَّ وَخَضَعَ، وَشَرْعًا (هِيَ مَا أُجْلِيَ عَنْهَا أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ) وَهُوَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: مَا اسْتَأْنَفَ الْمُسْلِمُونَ فَتْحَهُ عَنْوَةً (فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا) عَلَى الْغَانِمِينَ كَالْمَنْقُولِ (وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) أَيْ: عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا وَرَدَ فِيهِ خَبَرٌ، «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ نِصْفَ خَيْبَرَ، وَوَقَفَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. وَوَقَفَ عُمَرُ الشَّامَ، وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقَ، وَسَائِرَ مَا فَتَحَهُ، وَأَقَرَّهُ الصَّحَابَةُ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بِبَّانًا لَا شَيْءَ لَهُمْ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَّمْتُهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ فِعْلُ الْأَصْلَحِ كَالتَّخْيِيرِ فِي الْأُسَارَى فَإِنْ قَسَمَهَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى لَفْظٍ، وَلَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا خَرَاجًا؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ أَرْبَابِهَا، وَتَصِيرُ أَرْضَ عُشْرٍ. وَإِنْ وَقَفَهَا اعْتُبِرَ بِلَفْظِهِ بِهِ. وَفِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": لَا يَحْتَاجُ إِلَى النُّطْقِ بِهِ بَلْ لَوْ تَرَكَهَا لِلْمُسْلِمِينَ صَارَ كَالْقِسْمَةِ (وَ) حِينَئِذٍ (يَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ) فِي كُلِّ عَامٍ لِقَوْلِ عُمَرَ (مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ يَكُونُ أَجْرُهُ لَهَا) أَيْ: مِمَّنْ تُقَرُّ مَعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَالْأُجْرَةِ. وَلَا يَسْقُطُ خَرَاجُهَا بِإِسْلَامِ أَرْبَابِهَا، وَلَا بِانْتِقَالِهَا إِلَى مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُجْرَتِهَا، وَفِي " الْمُجَرَّدِ ": أَوْ يُمَلِّكُهَا لِأَهْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ بِخَرَاجٍ فَدَلَّ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهَا بِغَيْرِ خَرَاجٍ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ، وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْبُلْدَانِ. (وَعَنْهُ: تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ " الْأَمْوَالِ " عَنِ الْمَاجِشُونَ قَالَ بِلَالٌ لِعُمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute