فَصْلٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهِيَ الْتِزَامُ إِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَتَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ، وَلَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، وَلَا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[بَابُ الْكَفَالَةِ] [حُكْمُ الكفالة]
فصل
فِي الْكَفَالَةِ
وَهِيَ صَحِيحَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: ٦٦] ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الِاسْتِيثَاقِ بِضَمَانِ الْمَالِ، أَوِ الْبَدَنِ، وَضَمَانُ الْمَالِ يَمْتَنِعُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَلَوْ لَمْ تَجُزِ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَأَدَّى إِلَى الْحَرَجِ وَعَدَمِ الْمُعَامَلَاتِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا.
(وَهِيَ الْتِزَامُ) الرَّشِيدِ (إِحْضَارَ الْمَكْفُولِ بِهِ) ، لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْكَفَالَةِ وَاقِعٌ عَلَى بَدَنِ الْمَكْفُولِ بِهِ فَكَانَ إِحْضَارُهُ هُوَ الْمُلْتَزَمَ بِهِ كَالضَّمَانِ وَيُعْتَبَرُ رِضَا الْكَفِيلِ وَتَعْيِينُ الْمَكْفُولِ بِهِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلَا يُعْتَبَرُ إِذْنُهُ وَتَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظِ ضَمَانٍ.
(وَتَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) ، لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقٌّ مَالِيٌّ، فَصَحَّتِ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا، أَوْ مَجْهُولًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ كُلِّ مَنْ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِدَيْنٍ لَازِمٍ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُ إِحْضَارُهُمَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا بِالْإِتْلَافِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ دَيْنُ الْكِتَابَةِ وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْكَفِيلِ، فَإِنْ بَرِئَ الْأَوَّلُ بَرِئَ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ (وَبِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ) لِصِحَّةِ ضَمَانِهَا فَيَرُدُّ أَعْيَانَهَا، أَوْ قِيمَتَهَا إِنْ تَلَفَتْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْأَمَانَاتِ.
لَكِنْ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَإِحْضَارُ وَدِيعَةٍ وَكَفَالَةٍ بِزَكَاةٍ وَأَمَانَةٍ لِنَصِّهِ فِيمَنْ قَالَ: ادْفَعْ ثَوْبَكَ إِلَى هَذَا الرَّفَّاءِ، فَأَنَا ضَامِنُهُ لَا يَضْمَنُ حَتَّى يُثْبِتَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ (وَلَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا كَفَالَةَ فِي حَدٍّ "، وَلِأَنَّهَا اسْتِيثَاقٌ يُلْزِمُ الْكَفِيلَ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إِحْضَارِهِ، وَالْحَدُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute