صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ. وَتعيينُ مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْبُلْدَانِ وَمُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ أَوْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا، وَإِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إِذَا كَانَ بَلَدُهُ قَرِيبًا، تَسْتَفِيضُ فِيهِ أَخْبَارُ بَلَدِ الْإِمَامِ. وَهَلْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالنَّهْيِ وَهُوَ وَاجِبُ الطَّاعَةِ، مَسْمُوعُ الْكَلِمَةِ، مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْوِلَايَاتِ شَرْعًا وَحِسًّا. أَوْ نَائِبِهِ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَشْبَهَ عَقْدَ الذِّمَّةِ.
[شُرُوطُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ]
(وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي كَوْنَ الْمُوَلَّى عَلَى صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقَضَاءِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ: إِنْ كَانَ يَعْرِفُ صَلَاحِيَتَهُ وَلَّاهُ، وَإِلَّا سَأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْعِلْمُ، فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ، الْعِلْمُ بِذَلِكَ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهِ. (وَتعَيين مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ) كَالْكُوفَةِ وَنَوَاحِيهَا. (وَالْبُلْدَانِ) كَبَغْدَادَ وَنَحْوِهَا، لِيَعْلَمَ مَحَلَّ وِلَايَتِهِ فَيَحْكُمَ فِيهِ وَلَا يَحْكُمَ فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ وَلِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْوِكَالَةِ. (وَمُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ) ، أَيْ: يُشَافِهُهُ الْإِمَامُ بِهَا إِنْ كَانَ حَاضِرًا. (أَوْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا) إِنْ كَانَ غَائِبًا؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ، كَالتَّوْكِيلِ، وَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ عَهْدًا بِمَا وَلَّاهُ؛ وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ،» وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا، وَعَبْدَ اللَّهِ قَاضِيًا. (وَإِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ) أَيْ: إِذَا كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي وَلَّاهُ فِيهِ بَعِيدًا لَا يَسْتَفِيضُ إِلَيْهِ الْخَبَرُ بِمَا يَكُونُ فِي بَلَدِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا. (وَقَالَ الْقَاضِي: تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إِذَا كَانَ بَلَدُهُ قَرِيبًا تَسْتَفِيضُ فِيهِ أَخْبَارُ بَلَدِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْوِلَايَةِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ مَعَ قُرْبِ مَا بَيْنَهُمَا، كَخَمْسَةِ أَيَّامٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِالِاسْتِفَاضَةِ إِذَا كَانَ بَلَدُهُ قَرِيبًا تَسْتَفِيضُ فِيهِ أَخْبَارُ الْمُوَلَّى لَهُ. وَأَطْلَقَ الْآدَمِيُّ: أَوِ اسْتِفَاضَةٌ، وَظَاهِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَهَلْ تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُوَلِّي؟) بِكَسْرِ اللَّامِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) : إِحْدَاهُمَا: تُشْتَرَطُ كَمَا تُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَلِّي.
وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ الْكُبْرَى تَصِحُّ مِنْ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، فَصَحَّتْ وِلَايَتُهُ، كَالْعَدْلِ، وَلِأَنَّهَا لَوِ اعْتُبِرَتْ فِي الْمُوَلِّي أَفْضَى إِلَى تَعَذُّرِهَا بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute