للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَيُبْدَأُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَعَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى بُدِئَ بِهَا. فَإِذَا زَنَى وَشَرِبَ وَقَذَفَ وَقَطَعَ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، لِأَنَّ التَّدَاخُلَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، فَلَوْ سَرَقَ وَأَخَذَ الْمَالَ فِي الْمُحَارَبَةِ قُطِعَ لِذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعَيْنِ وَاحِدٌ (وَيُبْدَأُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ) وُجُوبًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، فَعَلَى هَذَا يُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِلشُّرْبِ، ثُمَّ لِلسَّرِقَةِ، ثُمَّ لِلزِّنَا، لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَفُّ، وَلَا يُوالِي بَيْنَ هَذِهِ الْحُدُودِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُفْضِي إِلَى التَّلَفِ، وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْأَخَفِّ جَازَ.

[حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ تُسْتَوْفَى كُلُّهَا]

(وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ) لِأَنَّهَا حُقُوقُ آدَمِيِّينَ، أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا، فَوَجَبَ كَسَائِرِ حُقُوقِهِمْ، لَا يُقَالُ: يُكْتَفَى بِالْقَتْلِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّهُولَةِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ (وَيُبْدَأُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ) لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ بِهِ تُفَوِّتُ اسْتِيفَاءَ بَاقِي الْحُقُوقِ (وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَعَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، بُدِئَ بِهَا) أَيْ: إِذَا اجْتَمَعَتْ حُقُوقُ اللَّهِ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ، فَهِيَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: أَلَّا يَكُونَ فِيهَا قَتْلٌ، فَهَذِهِ تُسْتَوْفَى كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، فَيُبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ، إِلَّا إِذَا قُلْنَا: حَدُّ الشُّرْبِ أَرْبَعُونَ، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِهِ لِخِفَّتِهِ، ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ، وَأَيُّهُمَا قُدِّمَ فَالْآخَرُ يَلِيهِ، ثُمَّ الزِّنَا، ثُمَّ الْقَطْعُ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُبْدَأُ بِالْقَطْعِ قِصَاصًا، ثُمَّ بِالْقَذْفِ، ثُمَّ لِلشُّرْبِ، ثُمَّ لِلزِّنَا.

الثَّانِي: إِذَا كَانَ فِيهَا قَتْلٌ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَتْلِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، كَالرَّجْمِ فِي الزِّنَا، أَوْ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ، كَالْقِصَاصِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى اسْتُوفِيَتِ الْحُقُوقُ كُلُّهَا مُتَوَالِيَةً، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَوَاتِ نَفْسِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ حَقًّا لِآدَمِيٍّ انْتَظَرْنَا لِاسْتِيفَاءِ الثَّانِي بُرْأَهُ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>