للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا، وَلَا مَا دُونَ ثُلُثِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

[الْعَمْدُ وَالْعَبْدُ وَالصُّلْحُ وَالِاعْتِرَافُ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ]

فَصْلٌ (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْقَصَاصُ أَوْ لَا، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ: «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ: عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا» . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَيَكُونُ كَالْإِجْمَاعِ، وَعَنْ عُمَرَ، قَالَ: الْعَمْدُ، وَالْعَبْدُ، وَالصُّلْحُ، وَالِاعْتِرَافُ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَحَكَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَلِأَنَّ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ إِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْخَطَأِ لِكَوْنِ الْجَانِي مَعْذُورًا، تَخْفِيفًا عَنْهُ وَمُوَاسَاةً لَهُ، وَالْعَامِدُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ، فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، فَلَوْ قَتَلَهُ بِحَدِيدَةٍ مَسْمُومَةٍ، فَسَرَى إِلَى النَّفْسِ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ قَتَلَ بِمَا لَمْ يَقْتُلْ مِثْلُهَا غَالِبًا، أَشْبَهَ مَنْ لَهُ الْقَصَاصُ (وَلَا عَبْدًا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَعْنَاهُ: إِذَا قَتَلَ الْعَبْدَ قَاتِلٌ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، خَطَأً كَانَ أَوْ عَمْدًا (وَلَا صُلْحًا) لِأَنَّهُ لَوْ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ أَدَّى إِلَى أَنْ يُصَالِحَ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَيُوجِبَ عَلَيْهِ حَقًّا بِقَوْلِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ فَيُنْكِرَهُ، وَيُصَالِحَ الْمُدَّعِي عَلَى مَالٍ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهُ مَالٌ ثَبَتَ بِمُصَالَحَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ كَالَّذِي ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِ، وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِأَنْ يُصَالِحَ الْأَوْلِيَاءَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إِلَى الدِّيَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، لِأَنَّ هَذَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِذِكْرِ الْعَمْدِ، بَلْ مَعْنَاهُ صَالَحَ عَنْهُ صُلْحَ إِنْكَارٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَلَا اعْتِرَافًا) أَيْ: لَمْ تُصَدِّقْهُ بِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي أَنْ يُوَاطِئَ مَنْ يُقِرُّ لَهُ بِذَلِكَ لِيَأْخُذَ الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ فَيُقَاسِمَهُ إِيَّاهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُ شَخْصٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ مَا اعْتَرَفَ، وَمَعْنَاهُ بِأَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ فَوَجَبَ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَأَكْثَرُ إِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ الْعَاقِلَةُ (وَلَا مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ) كَأَرْشِ الْمُوَضِّحَةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِقَضَاءِ عُمَرَ أَنَّهَا لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>