فَصْلٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ لَزِمَهُ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُسْلِمًا حُرًّا، صَغِيرًا كَانَ، أَوْ كَبِيرًا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[فَصْلٌ لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّوْمَ] [لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّوْمَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ]
فَصْلٌ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصَّوْمَ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، وَلَوْ رُجِيَ زَوَالُهُ، أَوْ يَخَافُ زِيَادَتَهُ، أَوْ بُطْأَهُ. قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ شَبِقَ (لَزِمَهُ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْخَبَرُ، وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ لِأَجْلِ السَّفَرِ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ عَنِ الصِّيَامِ وَلَهُ نِهَايَةٌ يَنْتَهِي إِلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمَرَضِ. (مُسْلِمًا حُرًّا، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا إِذَا أَكَلَ الطَّعَامَ) . وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ أُعْطِيَ الزَّكَاةَ لِحَاجَتِهِ جَازَ إِعْطَاؤُهُ مِنْ طَعَامِهَا. وَالْمَسَاكِينُ هُمُ الَّذِينَ تُدْفَعُ إِلَيْهِمُ الزَّكَاةُ لِحَاجَتِهِمْ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفُقَرَاءُ ; لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا صِنْفَيْنِ فَهُمْ صِنْفٌ وَاحِدٌ. وَاقْتَصَرَ فِي " الْهَدْيِ " عَلَيْهِمَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ، وَالْكَفَّارَةُ جَارِيَةٌ مَجْرَاهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ فِي ذَمِّيٍّ يَخْرُجُ مِنْ عِتْقِهِ، وَخَرَّجَ الْخَلَّالُ دَفْعَهَا إِلَى كَافِرٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَعَلَّهُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ، وَلِأَنَّهُ مِسْكِينٌ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَأَجْزَأَ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ مِنْهَا كَالْمُسْلِمِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُعْطِيهِمْ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، فَلَمْ يَجُزْ إِعْطَاؤُهُمْ مِنْهَا كَمَسَاكِينِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِهَذَا، وَالْجِزْيَةُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى عَبْدٍ، وَلَا مُكَاتَبٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عَلَى السَّيِّدِ. وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ ; لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ فَجَازَ إِطْعَامُهُ كَالْكَبِيرِ. وَهَذَا إِذَا أَكَلَ الطَّعَامَ، فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْهُ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَهِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَهُ الْمَجْدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ كَزَكَاةٍ فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ لَا، لَكِنْ مَنْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونُ يَقْبِضُ لَهُ وَلَيُّهُ، وَالْأُخْرَى يَدْفَعُ إِلَى الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ. ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُرٌّ مُحْتَاجٌ، أَشْبَهَ الْكَبِيرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute