. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَخَاتِمَتِهَا، وَلِهَذَا رَجَعَ أَحْمَدُ عَنِ الْكَرَاهَةِ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَصْلُهَا أَنَّهُ مَرَّ عَلَى ضَرِيرٍ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ، فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي مُبَشِّرِ الْحَلَبِيِّ؛ قَالَ: ثِقَةٌ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مُبَشِّرٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا، وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ أَوْصَى بِذَلِكَ. فَقَالَ أَحْمَدُ عِنْدَ ذَلِكَ: ارْجِعْ فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأُ.
فَلِهَذَا قَالَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ: الْمَذْهَبُ رِوَايَةً وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ.
لَكِنْ قَالَ السَّامِرِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَعِنْدَ رِجْلِهِ بِخَاتِمَتِهَا.
وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ، اخْتَارَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الورَّاقُ، وَأَبُو حَفْصٍ؛ وَهِيَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ـ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـ «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ لَا يُقْرَأُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ بَيْتٍ يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» وَعَلَّلَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا مَدْفَنُ النَّجَاسَةِ كَالْحَشِّ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: شَدَّدَ أَحْمَدُ حَتَّى قَالَ: لَا تَقْرَأُ فِيهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَنَقَلَ الْمَرْوَذِيُّ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِ: يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا يَقْرَأُ، واخْتَارَ فِي " الْفُرُوعِ " أَنَّهُ يَقْرَأُ إِلَّا عِنْدَ الْقَبْرِ، وَعَنْهُ: إِنَّهَا بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ، وَلَا فِعْلِ أَصْحَابِهِ
[مَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ بَعْدَ مَوْتِهِ]
(وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا) مِنْ دُعَاءٍ، وَاسْتِغْفَارٍ، وَصَلَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَحَجٍّ، وَقِرَاءَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَجَعَلَ ثَوَابَ ذَلِكَ لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، نَفَعَهُ ذَلِكَ) .
قَالَ أَحْمَدُ: الْمَيِّتُ يَصِلُ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ مِصْرَ، وَيَقْرَءُونَ، وَيَهْدُونَ لِمَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَكَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ، حَتَّى لَوْ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَازَ، وَوَصَلَ إِلَيْهِ الثَّوَابُ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ.
وَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَا يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] وَ {لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦] وَبِقَوْلِهِ ـ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـ «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ ذَلِكَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى.