للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرِهِ، أَوْ حَلَّ قَيْدَ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

فَائِدَةٌ: رَهْنُ وَدِيعَةٍ كَغَصْبٍ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَيْسَ لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا، نُصَّ عَلَيْهِ.

[فَصْلُ مَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ]

فَصْلٌ (وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ ضَمِنَهُ) إِذَا كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَتَلِفَ عِنْدَهُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ " مَالًا " احْتِرَازًا عَنِ الْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ النَّجِسِ " مُحْتَرَمًا " احْتِرَازًا عَمَّا لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ، وَإِنْ كَانَ مَالًا كَآلَةِ اللَّهْوِ لِغَيْرِهِ يَحْتَرِزُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، صُرِّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ "؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَعْصُومٍ لَا يُضْمَنُ مَالُهُ، وَزَادَ: أَوْ مِثْلُهُ يَضْمَنُهُ يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الْأَبِ إِذَا أَتْلَفَ مَالَ وَلَدِهِ، وَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ إِذَا أَتْلَفَا مَالًا دَفَعَهُ مَالِكُهُ إِلَيْهِمَا بِشَرْطِهِ، وَمَا تَلِفَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالْمُخْتَارِ وَالْمُكْرَهِ لِعُمُومِ " مَنْ " وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمُكْرَهِ، وَفِي آخَرَ يَضْمَنُهُ مُكْرِهُهُ كَدَفْعِهِ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إِتْلَافًا. وَقِيلَ: الْمُكْرَهُ كَمُضْطَرٍّ، وَيَرْجِعُ فِي الْأَصَحِّ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ إِنْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ، وَقِيلَ: وَعَلِمَهُ لِإِبَاحَةِ إِتْلَافِهِ، وَهَلْ لِرَبِّهِ مُطَالَبَةُ مُكْرِهِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ طَالَبَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ إِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا، وَكَالْعَامِدِ وَالسَّاهِي، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ مَعَ إِذْنِهِ، وَعَيَّنَ ابْنُ عَقِيلٍ الْوَجْهَ الْمَأْذُونَ فِيهِ مَعَ غَرَضٍ صَحِيحٍ (وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرِهِ) فَطَارَ (أَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدِهِ) فَهَرَبَ (أَوْ رِبَاطَ فَرَسِهِ) فَشَرَدَ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ نَفَّرَهُ، فَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ فِي مَحَلِّهِ وَكَذَا الْآخَرُونَ، فَتَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَمْ يَجِبِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ، وَحَذَفَهُ الْمُؤَلِّفُ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهِ، فَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ وَالْفَرَسُ بِحَالِهِمَا حَتَّى نَفَّرَهُمَا آخَرُ وَذَهَبَا، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُنَفِّرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ، فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ، وَفِي " الْفُنُونِ " إِنْ كَانَ الطَّائِرُ مُتَأَلِّفًا فَلَا، كَذَكَاةِ مُتَأَنِّسٍ وَمُتَوَحِّشٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْنَسَ فِي مَظِنَّةِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَالْقَفَصُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>