للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ أَوْ عَيْبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ، وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غَصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا، يتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَاللُّقَطَةِ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

(أَوْ صِنَاعَةٍ فِيهِ) بِأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: كَانَ كَاتِبًا، أَوْ ذَا صَنْعَةٍ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، كَمَا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَقَرَّ بَعْضَهُ (وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ أَوْ عَيْبٍ) بِأَنْ قَالَ: كَانَتْ فِيهِ إِصْبَعٌ زَائِدَةٌ أَوْ نَحْوُهَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ وَالْعَيْبِ، فَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ، وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الزِّيَادَةِ قُدِّمَ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَإِنْ شَاهَدَتِ الْبَيِّنَةُ الْمَغْصُوبَ مَعِيبًا، فَقَالَ الْغَاصِبُ: كَانَ مَعِيبًا قَبْلَ غَصْبِهِ، وَقَالَ الْمَالِكُ: تَغَيَّبَ عِنْدَكَ، قُدِّمَ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِفَةَ الْعَبْدِ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَقُيِلَ قَوْلُ الْمَالِكِ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ.

مَسْأَلَةٌ: لَوِ اخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ فَهِيَ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ، وَلَمْ تَثْبُتْ أَنَّهَا لِمَالِكِ الْعَبْدِ.

(وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غَصُوبٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا) فَسَلَّمَهَا إِلَى حَاكِمٍ بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهَا وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا، وَلَهُ أَنْ (يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ) عَلَى الْأَصَحِّ (بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَاللُّقَطَةِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ رَدِّهَا إِلَى مَالِكِهَا، فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ كَانَ ثَوَابُهَا لِأَرْبَابِهَا، فَيَسْقُطُ عَنْهُ إِثْمُ غَصْبِهَا، فَفِي ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ مَصْلَحَتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ، لَكِنْ بِشَرْطِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِدُونِ مَا ذُكِرَ إِضَاعَةٌ لِمَالِ الْمَالِكِ، لَا عَلَى وَجْهِ بَدَلٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَفِي " الْغُنْيَةِ " عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ إِنْ عَرَفَهُ؛ لِأَنَّ دِيَةَ قَتِيلٍ تُؤْخَذُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا غَيْرَ الصَّدَقَةِ، لَكِنْ نَقَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ: يَتَصَدَّقُ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ كُرَاعًا أَوْ سِلَاحًا يُوقَفُ هُوَ مُصْلِحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ عَمَّنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ، أَوْ كَرْمٌ لَيْسَ أَصْلُهُ طَيِّبًا، وَلَا يَعْرِفُ رَبَّهُ؛ قَالَ: يُوقِفُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَذَكَرَ فِي " الْفُرُوعِ " تَوْجِيهًا عَلَى أَفْضَلِ الْبِرِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَصْرِفُهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَقَالَهُ فِي وَدِيعَةٍ، وَنَقَلَهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالْمَغْصُوبِ، كَالرِّوَايَةِ فِي اللُّقَطَةِ، فَعَلَى هَذَا لَهُ دَفْعُهُ إِلَى نَائِبِ الْإِمَامِ كَالضَّوَالِّ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ: إِذَا عَلِمَ رَبَّهُ وَشَقَّ دَفْعُهُ وَهُوَ يَسِيرٌ كَحَبَّةٍ، فَسَلَّمَهُ إِلَى حَاكِمٍ بَرِئَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>