للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنْ أَمْكَنَ وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ، فَإِنِ اتَّضَحَ لَهُ حُكْمٌ، وَإِلَّا أَخَّرَهُ،

وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ

وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا حَاقِنٌ، وَلَا فِي شِدَّةِ الْجُوعِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ إِنْ أَمْكَنَ) حَتَّى إِذَا حَدَثَتْ حَادِثَةٌ، سَأَلَهُمْ عَنْهَا لِيَذْكُرُوا أَدِلَّتَهُمْ فِيهَا، وَجَوَابَهُمْ عَنْهَا فَإِنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى اجْتِهَادِهِ، وَأَقْرَبُ إِلَى صَوَابِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ افْتِئَاتًا عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يُخَالِفُ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا. (وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] «وَقَدْ شَاوَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، وَشَاوَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ، وَعُمَرُ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ، وَشَاوَرَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ» ، وَلَا مُخَالِفَ فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ. وَالْمُشَاوَرَةُ هُنَا لِاسْتِخْرَاجِ الْأَدِلَّةِ وَيُعْرَفُ الْحَقُّ بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَهُ لَوْ فَعَلَهُ الْحُكَّامُ، يُشَاوِرُونَ وَيَنْتَظِرُونَ. (فَإِنِ اتَّضَحَ لَهُ حَكَمَ) وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَأْخِيرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْحَقِّ عَنْ مَوْضِعِهِ. (وَإِلَّا أَخَّرَهُ) حَتَّى يَتَّضِحَ الْحَقُّ فَيَحْكُمَ بِهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْقَضَاءِ بِالْجَهْلِ.

[لَا يُقَلِّدُ الْقَاضِي غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ]

(وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْمُجْتَهِد لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ كَالْمُجْتَهِدِينَ فِي الْقِبْلَةِ. نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ، قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا يَدْرِي عُمَرُ أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ. وَلَوْ كَانَ حَكَمَ بِحُكْمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ هَذَا. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: لَا تُقَلِّدْ أَمْرَكَ أَحَدًا، وَعَلَيْكَ بِالْأَثَرِ. وَقَالَ أَحْمَدُ للْفَضْل بْن زِيَادٍ: لَا تُقَلِّدْ دِينَكَ الرِّجَالَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا أَنْ يَغْلَطُوا. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ مُسَافِرًا يَخَافُ فَوْتَ رُفْقَتِهِ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ، وَإِنْ فَوَّضَهُ إِلَى مَنِ اتَّضَحَ لَهُ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ صَحَّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>