الْبَاقِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا مَنْ يَكْفِي تَعَيَّنَتْ عَلَى مَنْ وُجِدَ، قَالَ الْخِرَقِيُّ: مَنْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، لَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ إِقَامَتِهَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا، وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: فِي إِثْمِهِ بِامْتِنَاعِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؛ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِدُعَائِهِ، وَلِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنِ الِامْتِنَاعِ.
وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ فِي حَقِّهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ إِلَيْهَا، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ.
وَالْأَوْلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالتَّحَمُّلِ، وَإِذَا وَجَبَ تَحَمُّلُهَا فَفِي وُجُوبِ كِتَابَتِهَا لِتُحْفَظَ وَجْهَانِ (وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا مَنْ يَكْفِي تَعَيَّنَتْ عَلَى مَنْ وُجِدَ) فَتَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، إِنْ دُعِيَ وَقُدِّرَ بِلَا ضَرَرٍ فِي بَدَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] ، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَزِمَ أَدَاؤُهَا كَالْوَدِيعَةِ (قَالَ الْخِرَقِيُّ: مَنْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، لَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ إِقَامَتِهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ) ظَاهِرُهُ: أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِظَاهِرِ الْآيَاتِ.
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] . وَقِيلَ: بَلْ أَدَاؤُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُؤَلِّفُ فِي كُتُبِهِ.
فَعَلَى هَذَا: إِذَا كَانَ الْمُتَحَمِّلُ جَمَاعَةً فَالْأَدَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ، فَإِذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنِ الْجَمِيعِ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْكُلُّ أَثِمُوا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا مَنْ يَكْفِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وُجِدَ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ ـ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَمْنَعْهُ سَيِّدُهُ ـ كصَلَاةِ الْفَرْضِ، فَإِنْ أَدَّى شَاهِدٌ وَأَبَى الْآخَرُ، وَقَالَ: احْلِفْ أَنْتَ بَدَلِي، فَهَلْ يَأْثَمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَحَمِّلَيْنِ الْقِيَامُ بِالشَّهَادَةِ، كَمَا تَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الصَّلَاةُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ نِسْبِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَدَائِهَا، فَلَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهَا لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ، إِذْ جَمِيعُ التَّكَالِيفِ مَلْحُوظٌ فِيهَا الْقُدْرَةُ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ، فَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: ٢٨٢] ، عَلَى أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute