للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَيَّنٍ، وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ، وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ يُحْضِرُهُمَا الْقَاضِي الْكَاتِبُ فَيَقْرَأُهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ يَقُولُ:

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ; لِأَنَّهُ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْر وَنَهْي يَتَضَمَّنُ إِلْزَامًا.

فَرْعٌ: لَوْ أَثْبَتَ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ، كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، فَإِنْ حَكَمَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ، فَلِحَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَهُ مَسَافَةً قَرِيبَةً. وَإِنْ لَمْ يَحْكُمِ الْمَالِكِيُّ، بَلْ قَالَ: ثَبَتَ كَذَا. فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ. ثُمَّ إِنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَلُزُومِ الْحَنْبَلِيِّ تَنْفِيذَهُ، يَنْبَنِي عَلَى لُزُومِ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَطِّ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ. وَلِهَذَا لَا يُنَفِّذُهُ الْحَنَفِيُّ حَتَّى يُنَفِّذَهُ آخَرُ. وَلِلْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَمَعَ قُرْبِهَا، الْخِلَافُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ) كَكِتَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ. (وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا. (وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ) عَدْلَانِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ ضَبْطُهُمَا لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: عِنْدَ الْكَاتِبِ.

وَيَتَوَجَّهُ لَنَا: أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَتْمَهُ اكْتَفَى بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَوَّارٍ وَالْعَنْبَرِيِّ ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ غَلَبَةُ الظَّنِّ أَشْبَهَ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ.

وَجَوَابُهُ: أَنَّ مَا أَمْكَنَ إِتْيَانُهُ بِالشَّهَادَةِ لَمْ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الظَّاهِرِ، كَإِثْبَاتِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمُ يُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نَقْلُ حُكْمٍ أَوْ إِثْبَاتٍ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بُدٌّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. (يُحْضِرُهُمَا الْقَاضِي الْكَاتِبُ) لِأَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ بِغَيْرِ مَعْرِفَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ غَيْرُ جَائِزٍ. (فَيَقْرَأُهُ عَلَيْهِمَا) وَهَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْقَبُولِ، بَلْ قِرَاءَتُهُ هِيَ الْوَاجِبَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَهُ الْحَاكِمُ ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ. وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَا مَعَهُ فِيمَا يَقْرَؤُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْظُرَا جَازَ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ إِلَّا ثِقَةٌ. (ثُمَّ يَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>