أَفْضَلُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ. وَإِنِ اخْتَارَ الدِّيَةَ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَيْنًا، وَلَهُ الْعَفْوُ إِلَى الدِّيَةِ، وَإِنْ سَخِطَ الْجَانِي، فَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا، وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَلَهُ الدِّيَةُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ، فَلَا يُشْرَعُ، وَمَحَلُّهُ: مَا لَمْ يَكُنْ كَمَجْنُونٍ، أَوْ صَغِيرٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ إِلَى غَيْرِ مَالٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَ حَقِّهِ.
فَرْعٌ: يَصِحُّ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَالْإِسْقَاطُ كَالْعَفْوِ ; لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ.
(فَإِنِ اخْتَارَ الْقِصَاصَ فَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لَهُ وَلِلْجَانِي، أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا فِي الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ مِنَ الْفَضِيلَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِمَا فِيهِ مِنْ سُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْهُ وَلَهُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الدِّيَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي غَيْرِ الصُّلْحِ، لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَطَلَاقِ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ فَوْقَ أَرْبَعٍ قِيلَ لَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " لَوْ كَانَ الْمَالُ بَدَلَ النَّفْسِ فِي الْعَمْدِ لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الدِّيَةِ، فَقَالَ: كَذَا نَقُولُ عَلَى رِوَايَةٍ، يَجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ. اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَإِنِ اخْتَارَ الدِّيَةَ) تَعَيَّنَتْ (سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَقَدْ عَفَا عَنِ الدَّمِ (وَلَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ إِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ، فَلَوْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ قُتِلَ بِهِ (وَعَنْهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَيْنًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] وَالْمَكْتُوبُ لَا يُتَخَيَّرُ فِيهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ عَمْدًا، فَهُوَ قَوَدٌ» وَلِأَنَّهُ بَدَلٌ مُتْلَفٌ، فَكَانَ مُعَيَّنًا كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ قَوْلَهُ " فَهُوَ قَوَدٌ " الْمُرَادُ بِهِ وُجُوبُ الْقَوَدِ، وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتْلَفَاتِ مُتَحَقِّقٌ ; لِأَنَّ بَدَلَهَا يَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ (وَلَهُ الْعَفْوُ إِلَى الدِّيَةِ، وَإِنْ سَخِطَ الْجَانِي) لِأَنَّ الدِّيَةَ أَقَلُّ مِنْهُ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهَا ; لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ حَقِّهِ، وَعَنْهُ: مُوجِبُهُ الْقَوَدُ عَيْنًا مَعَ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute