للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَمَةِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ أَنَسٌ يُجِيزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ، لَيْسَ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ، وَلِأَنَّهُ ـ تَعَالَى ـ أَمَرَ بِإِشْهَادِ ذَوِي عَدْلٍ مِنَّا، وَمَنْ فَقَدَ الْحُرِّيَّةَ فَهُوَ عَدْلٌ، بِدَلِيلِ قَبُولِ رِوَايَتِهِ وَفُتْيَاهُ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ عَدْلٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَالْحُرِّ (بَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ) ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: أَبُو ثَوْرٍ، وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَرَوَاهُ ـ أَيْضًا ـ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ لِعُمُومِ الْآيَاتِ، وَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الرَّضَاعِ، وَلِقَوْلِهِ: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ» .

وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا وَصُلَحَائِهَا مَوَالِيَ، وَلَمْ يَحْدُثْ فِيهِمْ بِالْإِعْتَاقِ إِلَّا الْحُرِّيَّةُ، وَهِيَ لَا تَحْدُثُ عِلْمًا وَلَا دِينًا (إِلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا؛ لِمَا فِي شَهَادَتِهِ مِنَ الْخِلَافِ، إِذْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ـ وَنَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ـ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا الْحُرِّيَّةُ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ.

وَالثَّانِيَةُ: تُقْبَلُ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ مَنْعٌ فِي الْحُدُودِ، وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعُمُومِ.

وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: أَنَّهَا تُعْتَبَرُ فِي حَدٍّ لَا قِصَاصٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ وَصَاحِبِ الرَّوْضَةِ.

وَفِي الْكَافِي: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي الْحَدِّ، وَفِي الْقَوَدِ احْتِمَالَانِ.

فَرْعٌ: مَتَى تَعَيَّنَتْ حُرِمَ مَنْعُهُ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: مَنْ أَجَازَ بِشَهَادَتِهِ لَمْ يُجِزْ لِسَيِّدِهِ مَنْعَهُ مِنْ قِيَامِهَا، فَلَوْ عَتَقَ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ فَشَهِدَ حَرُمَ رَدُّهُ.

قَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ:

فَلَوْ رَدَّهُ مَعَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ فُسِّقَ، وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدِيرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَالْقِنِّ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَمَةِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ) الْأَحْرَارِ؛ لِدُخُولِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] ، مَعَ حَدِيثِ عُقْبَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>