للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنِ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ، وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ بِخَطِّهِ، صَحَّتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَقْعُدُوا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا إِذَا اتَّصَلَ بِاعْتِقَالِ لِسَانِهِ الْمَوْتُ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ (وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ بِخَطِّهِ) الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ وَارِثِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ (صَحَّتْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِيهِ: وَعُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ يُقْبَلُ مَا فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ» الْخَبَرَ، فَلَمْ يَذْكُرْ شَهَادَةً، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ يُتَسَامَحُ فِيهَا، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى الْخَطَرِ وَالْغَرَرِ وَغَيْرِهِ، فَجَازَ أَنْ يُتَسَامَحَ فِيهَا بِقَبُولِ الْخَطِّ كَرِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَكِتَابَةِ الطَّلَاقِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا بِمَا فِيهَا) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهِيَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ فَكَذَا هُنَا، وَأَبْلَغُ مِنْهُ الْحَاكِمُ، فَلَوْ كَتَبَهَا وَخَتَمَهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي، وَفِيهَا رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا الْخِرَقِيُّ، وَهِيَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْبَصْرَةِ وَقُضَاتُهَا، وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ فِي أَمْرِ وِلَايَتِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَسُنَنِهِ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ إِلَى عُمَّالِهِمْ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاءُ وَالْفُرُوجُ وَالْأَمْوَالُ مَخْتُومَةً، لَا يَعْلَمُ حَامِلُهَا مَا فِيهَا، وَأَمْضَوْهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْمَنْعِ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ، وَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ خَرَّجَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ رِوَايَةً مِنَ الْأُخْرَى، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُعْلَمُ رُجُوعُهُ عَنْهَا، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ، وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ.

فَائِدَةٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ، وَيُشْهِدَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لَهَا، وَأَحْفَظُ لِمَا فِيهَا، وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>