يُسْرَى السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ. وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ، وَلَا أَخَذَ مَالًا نُفِيَ وَشُرِّدَ، وَلَا يُتْرَكُ يَأْوِي إِلَى بَلَدٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ نَفْيَهُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ، وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَتْ عَنْهُ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، مِنَ الصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ، وَالنَّفْيِ، وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ، وَأَخْذٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُسْرَى يَدَيْهِ؟) أَيْ: قُطِعَ لِلْمُحَارَبَةِ، ثُمَّ حَارَبَ ثَانِيًا، فَهَلْ تُقْطَعُ بَقِيَّةُ أَرْبَعَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَذَلِكَ (يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَطْعِ يُسْرَى السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ) ، فَإِنْ قُلْنَا: يُقْطَعُ، ثُمَّ قُطِعَتْ هاهنا، لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ الْقَطْعَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا لَوْ سَرَقَ، وَلَا يُمْنَى لَهُ، وَلَا رِجْلَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُقْطَعُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، سَقَطَ لِأَنَّ قَطْعَهَا يُفْضِي إِلَى تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، وَتَتَعَيَّنُ دِيَةٌ لِقَوَدٍ لَزِمَهُ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ كَتَقْدِيمِهَا بِسَبْقِهَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ.
فَرْعٌ: إِذَا عَدِمَ يَدَهُ الْيُسْرَى، أَوْ بَطْشَهَا بِشَلَلٍ، أَوْ نَقْصٍ، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى دُونَ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَقِيلَ: يُقْطَعَانِ، وَيَتَخَرَّجُ عَكْسُهُ، فَلَوْ كَانَ مَا وَجَبَ قَطْعُهُ أَشَلَّ، فَذَكَرَ أَهْلُ الطِّبِّ أَنَّ قَطْعَهُ يُفْضِي إِلَى تَلَفِهِ سَقَطَ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ كَالْمَعْدُومِ، وَإِنْ قَالُوا: لَا يُفْضِي إِلَى تَلَفِهِ، فَفِي قَطْعِهِ رِوَايَتَانِ (وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَا أَخَذَ مَالًا نُفِيَ وَشُرِّدَ) أَيْ: طُرِدَ، وَلَوْ عَبْدًا (وَلَا يُتْرَكُ يَأْوِي إِلَى بَلَدٍ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَنَصَرُوهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] ، وَظَاهِرُهُ يَتَنَاوَلُ نَفْيَهُ من جميعها، وَهُوَ يَبْطُلُ بِنَفْيِ الزَّانِي إِلَى مَكَانٍ، فَعَلَى هَذَا: يُنْفَوْنَ مُدَّةً تَظْهَرُ فِيهَا تَوْبَتُهُمْ، وَتَحْسُنُ سِيرَتُهُمْ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَقِيلَ: يُنْفَوْنَ عَامًا كَالزَّانِي (وَعَنْهُ: أَنَّ نَفْيَهُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ) مِنْ: ضَرْبٍ، وَحَبْسٍ، وَنَفْيٍ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الرَّدْعُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا ذُكِرَ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ ": بِهِمَا، وَعَنْهُ: نَفْيُهُمْ حَبْسُهُمْ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً، وَفِي " الْوَاضِحِ " وَغَيْرِهِ رِوَايَةُ أَنَّ نَفْيَهُمْ طَلَبُ الْإِمَامِ لَهُمْ، لِيُقِيمَ فِيهِمْ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً نُفُوا مُتَفَرِّقِينَ (وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَتْ عَنْهُ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، مِنَ الصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ، وَالنَّفْيِ، وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute