لِلْيَتَامَى الْفُقَرَاءِ، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ يُعْطِي النَّفْلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ وَهُمُ الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَخُصَّ فُقَرَاءَ قَرَابَتِهِ، بَلْ أَعْطَى الْغَنِيَّ، كَالْعَبَّاسِ وَغَيْرَهُ، مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْفَقْرِ يُنَافِي ظَاهِرَ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْقَرَابَةِ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ كَالْمِيرَاثِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: يَخْتَصُّ بِفُقَرَائِهِمْ كَبَقِيَّةِ السِّهَامِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ عُثْمَانَ وَجُبَيْرًا لَمَّا سَأَلَاهُ سَهْمَهُمَا بِيَسَارِهِمَا وَانْتِفَاءِ فَقْرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ صُرِفَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، لِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَظَاهِرُهُ لَا شَيْءَ لِمَوَالِيهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ. (وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى) وَهُمْ مَنْ لَا أَبَ لَهُ، وَلَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ، لِقَوْلِهِ: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» . (الْفُقَرَاءِ) هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيُتْمِ فِي الْعُرْفِ الرَّحْمَة، وَمَنْ أُعْطِيَ لِذَلِكَ، اعْتُبِرَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ، مَعَ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَالَ: لَا أَعْلَمُ هَذَا نَصًّا عَنْ أَحَدٍ. وَقِيلَ: وَالْغَنِيُّ أَيْضًا لِعُمُومِ الْآيَةِ. (وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) وَهُمْ أَهْلُ الْحَاجَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِمُ الْفُقَرَاءُ لِأَنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ. (وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قُيِّدَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ عَطِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ فَلَمْ يَكُنْ لِكَافِرٍ فِيهَا حَقٌّ كَالزَّكَاةِ، وَيُعْطَى هَؤُلَاءِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ. وَفِي " الْوَاضِحِ " يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعُمُّ بِسِهَامِ مَنْ ذُكِرَ جَمِيعَ الْبِلَادِ، فَيَبْعَثُ الْإِمَامُ عُمَّالَهُ فِي الْأَقَالِيمِ. وَصَحَّحَ فِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ.
فَعَلَى هَذَا يُفَرِّقُهُ كُلُّ سُلْطَانٍ فِيمَا أَمْكَنَ مِنْ بِلَادِهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": يَكْفِي وَاحِدٌ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، وَذَوِي الْقُرْبَى إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِعْطَاءَ الْإِمَامِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِلْمَصْلَحَةِ كَزَكَاةٍ. وَأَنَّ الْخُمُسَ وَالْفَيْءَ وَاحِدٌ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ (ثُمَّ يُعْطَى النَّفْلُ) وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى السَّهْمِ لِلْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَنْفَرِدُ بِهِ بَعْضُ الْغَانِمِينَ، فَقُدِّمَ عَلَى الْقِسْمَةِ كَالْأَسْلَابِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ: بَعْدَ الْخُمُسِ، لِمَا رَوَى مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ مَرْفُوعًا «لَا نَفْلَ إِلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ اسْتُحِقَّ بِالتَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ، فَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute