بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَالًا وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ عَادَ إِلَيْهِمْ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، فَلَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ أَيْضًا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْإِقَامَةُ، فَإِنْ أَطْلَقُوهُ وَأَمَّنُوهُ فَلَهُ الْهَرَبُ لَا الْخِيَانَةُ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِأَمَانِهِ فِي أَمَانٍ مِنْهُ، فَإِذَا خَالَفَ فَهُوَ غَادِرٌ (وَإِنْ أَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَالًا) بِاخْتِيَارِهِ، لَزِمَهُ إِنْفَاذُ الْمَالِ إِلَيْهِمْ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَاهَدَهُمْ عَلَى أَدَاءِ مَالٍ، فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ كَثَمَنِ الْبَيْعِ. (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ، عَادَ إِلَيْهِمْ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ) نَصَّ عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ فِي الْوَفَاءِ مَصْلَحَةً لِلْأُسَارَى، وَفِي الْغَدْرِ مَفْسَدَةً فِي حَقِّهِمْ، لِكَوْنِهِمْ لَا يَأْمَنُونَ بَعْدَهُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] وَلِأَنَّ فِي رُجُوعِهَا تَسْلِيطًا لَهُمْ عَلَى وَطْئِهَا حَرَامًا (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ أَيْضًا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَيْهِمْ، وَالْبَقَاءَ فِي أَيْدِيهِمْ مَعْصِيَةٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِالشَّرْطِ كَالْمَرْأَةِ، وَكَمَا لَوْ شَرَطَ قَتْلَ مُسْلِمٍ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا عَاهَدَ قُرَيْشًا عَلَى رَدِّ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا، فَرَدَّ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلٍ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلَّا رَدَّهُ. فَإِنْ تَعَارَضَ فِدَاءُ عَالِمٍ، وَجَاهِلٍ بُدِئَ بِالْجَاهِلِ، لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بِالْعَالِمِ لِشَرَفِهِ، وَحَاجَتِنَا إِلَيْهِ، وَكَثْرَةِ الضَّرَرِ بِفِتْنَتِهِ. وَلَوْ جَاءَ الْعِلْجُ بِأَسِيرٍ عَلَى أَنْ يُفَادِيَ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجِدْ قَالَ أَحْمَدُ: يَفْدِيهِ الْمُسْلِمُونَ إِنْ لَمْ يُفْدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يُرَدُّ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ بِإِذْنِهِ، لَزِمَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَنَائِبِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَالْمُرَادُ: مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ، فَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، قُدِّمَ قَوْلُ الْأَسِيرِ بِالْأَصْلِ، وَيَجِبُ فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْإِمْكَانِ؛ لِقَوْلِهِ: وَفُكُّوا الْعَانِيَ، وَكَذَا شِرَاءُ أَسْرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، لِأَنَّا قَدِ الْتَزَمْنَا حِفْظَهُمْ بِأَخْذِ جِزْيَتِهِمْ، فَلَزِمَنَا الدَّفْعُ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجِبُ إِلَّا إِذَا اسْتَعَانَ بِهِمُ الْإِمَامُ فِي قِتَالِهِمْ، فَيَبْدَأُ بِفِدَاءِ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ لِحُرْمَتِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute