للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقِتَالِهِمْ وَالْفِرَارِ مِنْهُمْ، وَعَلَى الْإِمَامِ حِمَايَةُ مَنْ هَادَنَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ سَبَاهُمْ كُفَّارٌ آخَرُونَ، لَمْ يَجُزْ لَنَا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

الْعَدَمِ (رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنَ الرِّجَالِ مُسْلِمًا جَازَ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ، وَمَحَلُّهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ. صَرَّحَ بِهِ الْجَمَاعَةُ فَأَمَّا مَعَ اسْتِظْهَارِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّتِهِمْ، فَلَا. (وَلَا يَمْنَعُهُمْ أَخْذَهُ) لِأَنَّ «أَبَا بَصِيرٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فَجَاءُوا فِي طَلَبِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا. فَرَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا، وَرَجَعَ فَلَمْ يَلُمْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . (وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُجْبِرْ أَبَا بَصِيرٍ، وَلِأَنَّ فِي إِجْبَارِهِ عَلَى الْمُضِيِّ مَعَهُمْ إِجْبَارًا لَهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ. (وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ) سِرًّا (بِقِتَالِهِمْ وَالْفِرَارِ مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ إِلَى بَاطِلٍ، فَكَانَ لَهُ الْأَمْرُ بِعَدَمِهِ، كَالْمَرْأَةِ إِذَا سَمِعَتْ طَلَاقَهَا. وَفِي " التَّرْغِيبِ " يَعْرِضُ لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ.

(وَعَلَى الْإِمَامِ حِمَايَةُ مَنْ هَادَنَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ أَمَّنَهُ مِمَّنْ هُوَ فِي قَبْضَتِهِ، وَتَحْتَ يَدِهِ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ حِمَايَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. صَرَّحَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَتَرَكَهُ الْمُؤَلِّفُ لِظُهُورِهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَتْ حِمَايَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَأَنْ يَجِبَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَعَلَى هَذَا لَوْ أَتْلَفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ شَيْئًا. فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ. (دُونَ غَيْرِهِمْ) أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهِ حِمَايَتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَا حِمَايَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ الْتِزَامُ الْكَفِّ عَنْهُمْ فَقَطْ؛ (وَإِنْ سَبَاهُمْ كُفَّارٌ آخَرُونَ) بِأَنْ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ أَوْ سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ (لَمْ يَجُزْ لَنَا شِرَاؤُهُمْ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ يَقْتَضِي رَفْعَ الْأَذَى عَنْهُمْ، وَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ أَذًى لَهُمْ بِالْإِذْلَالِ بِالرِّقِّ؛ فَلَمْ يَجُزْ كَسْبُهُمْ. وَالْوَاحِدُ كَالْكُلِّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ اسْتِنْقَاذُهُمْ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً مَنْصُوصَةً: لَنَا شِرَاؤُهُمْ مِنْ سَابِيهِمْ، وَذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " احْتِمَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْهُمْ؛ فَلَا يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا: لَوْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>