وَإِنْ مَاتَ، أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ. وَإِنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا. وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا، وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ، وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِقِتَالِهِمْ، وَيَحْرُمُ التَّعَرُّضُ إِلَيْهِمْ بِأَخْذِ الْمَالِ (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ جِزْيَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ سَبَّبَهَا الْكُفْرُ فَسَقَطَتْ بِالْإِسْلَامِ، وَفِي " الْإِيضَاحِ " لَا تَسْقُطُ بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: تَجِبُ بِقِسْطِهِ (وَإِنْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَكَمَا لَوْ طَرَأَ مَانِعٌ فِي الْأَصَحِّ (وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ) لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ فَسَقَطَتْ بِهِ كَالْحَدِّ.
وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ بِالْمَوْتِ، وَتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ.
(وَإِنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ، اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا) وَلَمْ يَتَدَاخَلْ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهَا حَقُّ مَالٍ يَجِبُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ، فَلَمْ يَتَدَاخَلْ كَالدِّيَةِ (وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ) لِأَنَّهَا مَالٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ، فَلَمْ تُؤْخَذْ قَبْلَهُ كَالزَّكَاةِ، وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهِ، وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ نَقْضَ أَمَانِهِ، فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنَ الْعِوَضِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَصِحُّ، وَيَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ (وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا) مِنْهُمْ. (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] . وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُسْتَحَقَّةٌ، فَلَا يُقْبَلُ إِرْسَالُهَا، لِزَوَالِ الصَّغَارِ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا، وَقِيلَ: مُسْتَحَبَّةٌ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: الصَّغَارُ: الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ، وَجَرَيَانُ أَحْكَامِنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute