للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ صُولِحُوا على بِلَادِهِمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَيُمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ فَإِنْ قَدِمَ رَسُولٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَاءِ الْإِمَامِ؛ خَرَجَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَ، عُزِّرَ وَهُدِّدَ، فَإِنْ مَرِضَ بِالْحَرَمِ أَوْ مَاتَ، أُخْرِجَ، وَإِنْ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

بِنَاقُوسٍ، وَمُرَادُهُ: إِظْهَارُهُ؛ لِأَنَّ فِي الشُّرُوطِ: أَنْ لَا نَضْرِبَ بِنَوَاقِيسِنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا. (وَالْجَهْرَ بِكِتَابِهِمْ) أَيْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ فِي الْكَنَائِسِ، وَكَذَا رَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ عَلَى مَوْتَاهُمْ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمِثْلُهُ إِظْهَارُ أَكْلٍ فِي رَمَضَانَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ، وَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِظْهَارُ شَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَا وَقْتَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَا لِقَاءَ الْمُلُوكِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَإِنْ صُولِحُوا عَلَى بِلَادِهِمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ) أَوِ الْخَرَاجِ (لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ بَلَدَهُمْ لَيْسَ بِبَلَدِ إِسْلَامٍ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِمْ فِيهِ كَمَنَازِلِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَمُنِعُوا مِنْهُ. (وَيُمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨] وَالْمُرَادُ: حَرَمُ مَكَّةَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: ٢٨] يُرِيدُ ضَرَرًا بِتَأْخِيرِ الْجَلْبِ عَنِ الْحَرَمِ، دُونَ الْمَسْجِدِ؛ يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: ١] أَيْ: مِنَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مَنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ لَا مِنْ نَفْسِ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ دُونَ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَمَاكِنِ الْعِبَادَاتِ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُهَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ النُّسُكِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ. وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ أَوْ لَا، لِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِضَرُورَةٍ، وَقِيلَ: لَهُمْ دُخُولُهُ أَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ كَحَرَمِ الْمَدِينَةِ فِي الْأَشْهَرِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يُمْنَعُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا الْحَرَمِ. لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِذَا أَرَادَ دُخُولَهُ لِيُسْلِمَ فِيهِ أَوْ لِتِجَارَةٍ مَعَهُ لِبَيْعِهَا، مُنِعَ مِنْهُ.

(فَإِنْ قَدِمَ رَسُولٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَاءِ الْإِمَامِ، خَرَجَ إِلَيْهِ) لِأَنَّ الْكَافِرَ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، فَتَعَيَّنَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الِاجْتِمَاعِ (وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ) فِي دُخُولِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ لِقَائِهِ، بَعَثَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامَهُ (فَإِنْ دَخَلَ عُزِّرَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>