يَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا شُفْعَةً، وَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ، وَعَنْهُ:
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُقَالُ: أَقَالَكَ اللَّهُ عَثْرَتَكَ؛ أَيْ: أَزَالَهَا، فَكَانَتْ فَسْخًا لِلْعَقْدِ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا فِي السَّلَمِ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، مَعَ أَنَّهُ يَأْتِي إِذَا قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ (يَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ: فِيمَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ، وَالْفَسْخُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا شُفْعَةً) لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَهَا هُوَ الْبَيْعُ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ) الْأَوَّلِ قَدْرًا وَنَوْعًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا ارْتَفَعَ رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا كَانَ لَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِبْرَاءٍ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ إِعَادَةُ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَفِي " الْمُغْنِي " أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَيْلٍ ثَانٍ إِقَامَةً لِلْفَسْخِ مَقَامَ الْبَيْعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مِنْ تَمَامِ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا بَيْعٌ) اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، مَعَ أَنَّهُ حَكَى فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهُ اخْتَارَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَادَ إِلَى بَائِعِهِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهَا فَكَانَتْ بَيْعًا كَالْأَوَّلِ، (فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ) أَيْ: تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ (إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ "، وَصَحَّحَهُ السَّامِرِيُّ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِقَالَةِ رَدُّ الْأَمْرِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَاخْتَصَّتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ كَالتَّوْلِيَةِ، كَمَا اخْتَصَّتِ الْمُرَابَحَةُ بِالرِّبْحِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنُهَا بَيْعًا.
وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَصَحَّحَ فِي " الشَّرْحِ " أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَنِ بَيْعًا كَانَتْ أَوْ فَسْخًا، فَإِنْ أَقَالَ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ، وَكَانَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّمَاثُلُ فَيَبْطُلُ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ.
فَوَائِدُ: مِنْهَا: أَنَّ الْإِقَالَةَ تَصِحُّ بِلَفْظِهَا وَبِلَفْظِ الْمُصَالَحَةِ إِنْ قِيلَ: هِيَ فَسْخٌ، وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ، فَلَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute