وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ خَرْصًا بِمِثْلِهِ مِنَ التَّمْرِ كَيْلًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَقِيلَ: هِيَ نَوْعٌ مِنَ الْعَطِيَّةِ خُصَّتْ بِاسْمٍ لَا بَيْعٍ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا فَيَجْعَلُ ثَمَرَهَا لَهُ عَامًا. فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا أُفْرِدَ عَنْ جُمْلَةٍ سَوَاءٌ كَانَ لِلْهِبَةِ، أَوْ لِلْبَيْعِ، أَوْ لِلْأَكْلِ.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مَعْرِيَّةٌ مِنَ الْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ أَيْ: مُخْرَجَةٌ مِنْهُ (وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُؤوسِ النَّخْلِ) فَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَالرُّخْصَةُ وَرَدَتْ فِي بَيْعِهِ عَلَى أُصُولِهِ لِحُكْمِ الْأَخْذِ شَيْئًا فَشَيْئًا لِحَاجَةِ التَّفَكُّهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: «قُلْتُ لِزَيْدٍ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؛ فَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي، وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا، وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنَ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهُ رُطَبًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (خَرْصًا) لَا أَقَلَّ، وَلَا أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ الْخَرْصَ مَقَامَ الْكَيْلِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ، كَمَا لَا يُعْدَلُ عَنِ الْكَيْلِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ (بِمِثْلِهِ مِنَ التَّمْرِ) ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِخَرْصِهَا رُطَبًا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ التَّمْرِ مِثْلَ مَا حَصَلَ بِهِ الْخَرْصُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدٍ «أَنَّهُ أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا» (كَيْلًا) أَيْ: يَكُونُ التَّمْرُ الْمُشْتَرَى بِهِ كَيْلًا لَا جُزَافًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إِنَّهُ رُخِّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ سَقَطَ فِي أَحَدِهِمَا، وَأُقِيمَ الْخَرْصُ مَقَامَهُ لِلْحَاجَةِ فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، شَكَّ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ أَحَدُ رُوَاتِهِ، وَهَذَا يَخُصُّ مَا سَبَقَ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِيهَا.
وَعَنْهُ: بَلَى نَظَرًا لِعُمُومِ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَيْهَا فَالْمَعْرُوفُ الْمَجْزُومُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً (لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ) ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute