فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ عَنِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي وَعَنِ الْمُشْتَرِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الضَّمَانِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَلَمَّا وضعت، قَالَ: " هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ "؟ قَالُوا: دِرْهَمَانِ فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. فَقَالَ عَلِيٌّ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا لَهُمَا ضَامِنٌ فَقَامَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا، وَفَكَّ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
(وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ عَنِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي) ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ شَخْصٌ عَنِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ إِذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ (وَعَنِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ) ، وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ الثَّمَنَ الْوَاجِبَ بِالْبَيْعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، أَوْ إِنْ ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ، أَوِ اسْتُحِقَّ فَضَمَانُ الْعُهْدَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ضَمَانُ الثَّمَنِ، أَوْ بَعْضُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَنِ الْجَمَاهِيرِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى الْوَثِيقَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الشَّهَادَةُ، وَالرَّهْنُ، وَالضَّمَانُ، فَالْأُولَى لَا يُسْتَوْفَى مِنْهَا الْحَقُّ، وَالثَّانِيَةُ يَبْقَى مَرْهُونًا إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَامْتَنَعَتِ الْمُعَامَلَاتُ مَعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ رَافِعٌ لِأَصْلِ الْحِكْمَةِ الَّتِي شُرِعَ الْبَيْعُ مِنْ أَجْلِهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَرِدُ بِهِ الشَّرْعُ، وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ عَنِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَبَعْدَهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ إِذَا كَانَ مُفْضِيًا إِلَى الْوُجُوبِ كَالْجَعَالَةِ، وَأَلْفَاظُهُ: ضَمِنْتُ عُهْدَتَهُ، أَوْ ثَمَنَهُ، أَوْ دَرْكَهُ، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: ضَمِنْتُ خَلَاصَكَ مِنْهُ، أَوْ ثَمَنَهُ، فَلَوْ ضَمِنَ لَهُ خَلَاصَ الْمَبِيعِ.
فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَحِلُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ حُرًّا، أَوْ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَسْتَطِعْ خَلَاصَهُ، وَفِي دُخُولِ نَقْضِ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي فِي ضَمَانِهَا وَرُجُوعِهِ بِالدَّرَكِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَقِيَامِ بَيِّنَةٍ بِبُطْلَانِهِ -وَجْهَانِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ ضَمَانِ دَرَكِهِ إِلَّا مِنْ زَيْدٍ، ثُمَّ ضَمِنَ دَرَكَهُ مِنْهُ أَيْضًا لَمْ يَعُدْ صَحِيحًا، ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute