للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيُطْلِقَهُ، أَوْ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ، أَوْ شَفِيعًا عَنْ شُفَعَتِهِ، أَوْ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، وَفِي الْحَدِّ وَجْهَانِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَى

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

خَرَجَ حُرًّا، وَمَعَ جَهَالَتِهِ، كَدَارٍ، وَشَجَرَةٍ تَجِبُ دِيَتُهُ، أَوْ أَرْشُ الْجُرْحِ، فَإِنْ عَلِمَا بِحُرِّيَّتِهِ، أَوْ كَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا رَجَعَ بِالدِّيَةِ لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ بِعِلْمِهِمَا، وَإِنْ صَالَحَ عَنْ دَارٍ، فَبَانَ عِوَضُهُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ بِهَا، وَقِيلَ: بِقِيمَتِهِ مَعَ الْإِنْكَارِ، لِأَنَّ الصُّلْحَ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عِوَضًا عَنِ الْقِصَاصِ.

(وَلَوْ صَالَحَ سَارِقًا لِيُطْلِقَهُ، أَوْ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ، أَوْ شَفِيعًا عَنْ شُفْعَتِهِ، أَوْ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) ، وَفِيهِ أُمُورٌ:

الْأَوَّلُ: إِذَا صَالَحَ سَارِقَهُ لِيُطْلِقَهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الرَّفْعَ إِلَى السُّلْطَانِ لَيْسَ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَسَائِرِ مَا لَا حَقَّ فِيهِ، وَكَذَا حُكْمُ الزَّانِي، وَالشَّارِبِ.

الثَّانِي: إِذَا صَالَحَ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ كِتْمَانَهَا حَرَامٌ لَمْ يَصْحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَيَشْمَلُ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ تَلْزَمُهُ الشَّهَادَةُ بِهِ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، أَوْ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ وَمِنْهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ فَهُوَ حَرَامٌ، كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ، وَلَا يَغْصِبَ مَالَهُ وَمِنْهَا أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ حَدَّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ فِي الْكُلِّ.

الثَّالِثُ: إِذَا صَالَحَ الشَّفِيعَ عَنْ شُفْعَتِهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، فَإِذَا رَضِيَ بِالْعِوَضِ تَبَيَّنَّا أَنْ لَا ضَرَرَ، فَلَا اسْتِحْقَاقَ فَيَبْطُلُ الْعِوَضُ لِبُطْلَانِ مُعَوَّضِهِ. نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الشُّفْعَةُ لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ (وَ) حِينَئِذٍ (تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِمَا قُلْنَاهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: لَا تَسْقُطُ، لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ ".

الرَّابِعُ: إِذَا صَالَحَ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَحَدِّ الزِّنَا، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ، الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يَؤُولُ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَصَّاصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>