للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ، وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ، فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ مُدَّتِهِ فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ إِلَّا أَنْ يُوثِقَهُ بِرَهْنٍ، أَوْ كَفِيلٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ قَبْلَهُ فَفِي مَنْعِهِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَلَهُ مَالٌ يَفِي بِهِ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَقَوْلُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ الْمُفْلِسَ، يَجُوزُ: لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ بَلْ أَرَادَ فَلَسَ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ حَتَّى إِنَّ فَلَسَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْغِنَى، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَفْلَسَ بِالْحُجَّةِ إِذَا عَدِمَهَا، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَمَرٌ مُفْلِسٌ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ نَوَاهُ فَهُوَ خُرُوجُ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِهِ. فَحَجْرُ الْفَلَسِ مَنْعُ حَاكِمٍ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ يَعْجِزُ عَنْهُ مَالُهُ الْمَوْجُودُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالْمُفْلِسُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَنْ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ.

(وَمَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ قَبْلَ) حُلُولِ (أَجَلِهِ) ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَمِنْ شَرْطِ الْمُطَالَبَةِ لُزُومُ الْأَدَاءِ (وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ) ، لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تُسْتَحَقُّ، فَكَذَا الْحَجْرُ (فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ مُدَّتِهِ) أَيْ: قَبْلَ قُدُومِهِ (فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ) ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْ مَحَلِّهِ (إِلَّا أَنْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ) يَجُوزُ (أَوْ كَفِيلٍ) مَلِيءٍ لِزَوَالِ الضَّرَرِ إِذَنْ (وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ قَبْلَهُ فَفِي مَنْعِهِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: لَهُ مَنْعُهُ.

قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، لِأَنَّ قُدُومَهُ عِنْدَ الْمَحَلِّ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ وَلَا ظَاهِرٍ، فَمَلَكَ مَنْعَهُ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ وَهِيَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَيْسَ بِأَمَارَةٍ عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ فِي مَحَلِّهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ مِنْهُ كَالسَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَالْمُذَهَبُ أَنَّهُمَا فِي غَيْرِ جِهَادٍ مُتَعَيِّنٍ، زَادَ فِي " الْفُرُوعِ " وَأَمْرٍ مَخُوفٍ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْرِيضًا لِفَوَاتِ النَّفْسِ، فَلَا يَأْمَنُ مِنْ فَوَاتِ الْحَقِّ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَهُ مَنْعُ عَاجِزٍ حَتَّى يُقِيمَ كَفِيلًا بِبَدَنِهِ وَوَجْهِهِ فِي " الْفُرُوعِ " (وَإِنْ كَانَ حَالًّا) ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ وَفَاءِ بَعْضِهِ حَرُمَ مُطَالَبَتُهُ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>