أَذًى، وَيَنْوِيَ، وَيَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغُسْلِ وَيَتَوَضَّأَ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلَ بِالصَّاعِ. فَإِنْ أَسْبَغَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَمُجْزِئٌ) أَيْ: كَافٍ (وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بِهِ مِنْ أَذًى) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ صِحَّةَ الْغُسْلِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْحُكْمِ بِزَوَالِ النَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى فَرْجِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَقَدْ تَبِعَا أَبَا الْخَطَّابِ، لَكِنَّ عِبَارَتَهُ أَبْيَنُ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ يَنْوِي، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ كَلَامَهُمَا عَلَى مَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِنْجَاءَ بِشَرْطِ تَقَدُّمِهِ عَلَى الْغُسْلِ، كَمَا هُوَ فِي الْوُضُوءِ، لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُشْكِلُ هَذَا عَلَى الْمُؤَلِّفِ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ، وَعَلَى الْخِرَقِيِّ: بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمُجْزِئِ، فَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا مَعَ آخِرِ غَسْلَةٍ طَهَّرَتِ الْمَحَلَّ فَيُعَضِّدُ الْأَوَّلَ، ثُمَّ هَلْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ أَوْ لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا مَعَ الْحُكْمِ بِزَوَالِهَا؛ فِيهِ قَوْلَانِ. ثُمَّ مَحَلُّهُمَا مَا لَمْ تَكُنِ النَّجَاسَةُ كَثِيفَةً تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ، فَإِنْ مَنَعَتْهُ فَلَا (وَيَنْوِي) أَيْ: يَقْصِدُ رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوِ اسْتِبَاحَةَ أَمْرٍ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِهَا كَمَسِّ الْمُصْحَفِ (وَيَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغُسْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] ، وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ: «أَنَّ أُنَاسًا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوا عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَقَالُوا: إِنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَحْفِنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَظَاهِرُهُ: الِاجْتِزَاءُ بِالتَّطْهِيرِ، وَالِاغْتِسَالُ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ.
وَالْمُرَادُ بِتَعْمِيمِهِ الظَّاهِرُ جَمِيعُهُ، وَمَا فِي حُكْمِهِ، مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَتَرَكَهُمَا هُنَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَبَقَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَأَنْ يَغْسِلَ الْبَشَرَةَ الَّتِي تَحْتَ الشُّعُورِ كَالرَّأْسِ، وَاللِّحْيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ كَثَّةً، وَذَكَرَ الدِّينَوَرِيُّ أَنَّ بَاطِنَ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ فِي الْجَنَابَةِ كَالْوُضُوءِ.
وَيَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ ظَاهِرِهِ، وَبَاطِنِهِ مَعَ مُسْتَرْسِلِهِ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute