بَقِيَّةٌ وَلَهُ صَنْعَةٌ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إِيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَائِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، فَإِذَا فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ وَحُجِرَ عَلَيْهِ، شَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ غُرَمَاءَ الْحَجْرِ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ وَعَدَمَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَمُرَادُهُ، وَلَمْ يُطَالِبْ أَصْلًا، وَإِلَّا شَارَكَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ.
(وَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى الْمُفْلِسِ بَقِيَّةٌ) مِنَ الدُّيُونِ (وَلَهُ صَنْعَةٌ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إِيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَائِهَا؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) الْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُجْبَرُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بَاعَ سَرَقًا فِي دَيْنِهِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزِّنْجِيِّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَالْحُرُّ لَا يُبَاعُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ بَاعَ مَنَافِعَهُ، إِذِ الْمَنَافِعُ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَتَحْرِيمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ، فَكَذَا هُنَا، وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ إِجْبَارُهُ عَلَيْهَا كَبَيْعِ مَالِهِ وَكَوَقْفٍ وَأُمِّ وَلَدٍ اسْتُغْنِيَ عَنْهَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّهُ تَكَسُّبٌ لِلْمَالِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ كَقَبُولِ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَتَزْوِيجِ أُمِّ وَلَدٍ وَرَدِّ مَبِيعٍ وَإِمْضَائِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ مَعَ الْأَحَظِّ وَأَخْذِ دِيَةٍ عَنْ قَوَدٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَا صَنْعَةَ لَهُ، وَادِّعَاءُ الْفَسْخِ فِي الْحَدِيثِ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ بِالِاحْتِمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ بَيْعَ الْحُرِّ كَانَ جَائِزًا فِي وَقْتٍ فِي شَرِيعَتِنَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَيْعِهِ بَيْعُ مَنَافِعِهِ مَعَ أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ حَمْلِهِ النَّسْخَ، وَحِينَئِذٍ يَبْقَى الْحَجْرُ بِبَقَاءِ دَيْنِهِ إِلَى الْوَفَاءِ، وَلَوْ طَلَبُوا إِعَادَتَهُ لِمَا بَقِيَ بَعْدَ فَكِّ الْحَاكِمِ، لَمْ يُجِبْهُمْ (وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ، فَلَا يَزُولُ إِلَّا بِهِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، وَقِيلَ: يَزُولُ بِقِسْمَةِ مَالِهِ، لِأَنَّهُ حُجِرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ، فَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ زَالَ الْحَجْرُ كَزَوَالِ حَجْرِ الْمَجْنُونِ بِزَوَالِ جُنُونِهِ، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِنَفْسِهِ فَزَالَ بِزَوَالِهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَلِأَنَّ فَرَاغَ مَالِهِ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةٍ وَبَحْثٍ فَوَقَفَ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ (فَإِذَا فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ) وَظَهَرَ لَهُ مَالٌ (وَحُجِرَ عَلَيْهِ شَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ غُرَمَاءَ الْحَجْرِ الثَّانِي) لِأَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute