للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخْرَجَ مَالًا لِيَعْمَلَ هُوَ فِيهِ وَآخَرُ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا صَحَّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِذَا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَزُولُ ضَمَانُ الْغَصْبِ إِلَّا بِدَفْعِهِ ثَمَنًا ; لِأَنَّ الْقِرَاضَ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَعَدَّى، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُمْسِكٌ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَبَضَهُ ثُمَّ قَبَّضَهُ إِيَّاهُ.

(وَإِنْ قَالَ: ضَارِبْ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ) أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ عَنِّي (لَمْ يَصِحَّ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ لِغَرِيمِهِ بِقَبْضِهِ وَلَمْ يُوجَدْ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ، فَقَدِ اشْتَرَاهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَدَفَعَ الثَّمَنَ إِلَى مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ إِلَيْهِ، فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْهُ، فَلَوْ قَالَ: اعْزِلِ الْمَالَ الَّذِي عَلَيْكَ وَضَارِبْ بِهِ صَحَّ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ ; لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ.

فَرْعٌ: إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا مُضَارَبَةً، وَقَالَ لَهُ: أَضِفْ إِلَيْهَا مِثْلَهَا وَاتَّجِرْ بِهِمَا وَالرِّبْحُ لَكَ ثُلُثَاهُ وَلِيَ ثُلُثُهُ صَحَّ، وَكَانَ شَرِكَةً وَمُضَارَبَةً، وَإِنْ شَرَطَ غَيْرُ الْعَامِلِ لِنَفْسِهِ ثُلُثَيِ الرِّبْحِ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلْقَاضِي.

(وَإِنْ أَخْرَجَ مَالًا لِيَعْمَلَ هُوَ فِيهِ وَآخَرُ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا صَحَّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، وَيَكُونُ مُضَارَبَةً لِأَنَّ غَيْرَ صَاحِبِ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ بِعَمَلِهِ مِنَ الرِّبْحِ فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْمُضَارَبَةِ (وَقَالَ الْقَاضِي) تَبَعًا لِابْنِ حَامِدٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ (إِذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ ; لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَالِ إِلَى الْمُضَارِبِ، فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ لَمْ يَتَسَلَّمْهُ ; لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا، وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ عَمِلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ أَحَدُ رُكْنَيِ الْمُضَارَبَةِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا مَعَ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْآخَرِ كَالْمَالِ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي، إِلَى آخِرِهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا تَقْتَضِي إِطْلَاقَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>