للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: هِيَ إِجَارَةٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ، وَهَلْ تَصِحُّ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرَةِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

(وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ) دَلِيلًا عِنْدَهُ إِذِ الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ قَدْ يُعْدَلُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إِلَى مَجَازِهِ لِدَلِيلٍ (وَهَلْ تَصِحُّ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ؟) لَمْ تَكْمُلْ، وَعَلَى زَرْعٍ نَابِتٍ يُنْمى بِالْعَمَلِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَامَلَ ِأَهْلِ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ إِذَا ظَهَرَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مُضَارَبَتِهِ عَلَى الْمَالِ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ، وَالثَّانِيَةُ - وَهِيَ الْأَصَحُّ - الْجَوَازُ ; لِأَنَّهَا إِذَا جَازَتْ فِي الْمَعْدُومِ مَعَ كَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهَا فَمَعَ وُجُودِهَا وَقِلَّةِ الْغَرَرِ فِيهَا أَوْلَى، وَمَحَلُّهَا إِذَا بَقِيَ مِنَ الْعَمَلِ مَا تَزِيدُ بِهِ الثَّمَرَةُ كَالتَّأْبِيرِ، وَالسَّقْيِ، وَالْإِصْلَاحِ، فَإِنْ بَقِيَ مَا لَا تَزِيدُ بِهِ كَالْجِدَادِ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ خِلَافٍ (وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ، وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرَةِ صَحَّ) فِي الْمَنْصُوصِ.

قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: إِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: اغْرِسْ فِي أَرْضِي هَذِهِ شَجَرًا، أَوْ نَخْلًا، فَمَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ فَلَكَ بِعَمَلِكَ كَذَا، فَإِجَارَةٌ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ خَيْبَرَ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ وَعِوَضَهُ مَعْلُومَانِ، فَصَحَّتْ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرٍ مَوْجُودٍ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْغِرَاسُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ كَالْمُزَارَعَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامِلِ، فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُزَارَعَةِ إِذَا شَرَطَ الْبَذْرَ مِنَ الْعَامِلِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُعَامَلَةُ بَاطِلَةٌ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَكْلِيفِهِ قَلْعَهَا وَيَضْمَنُ لَهُ نَقْصَهَا، وَبَيْنَ تَرْكِهَا فِي أَرْضِهِ، وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ قِيمَتَهَا، فَإِنِ اخْتَارَ الْعَامِلُ قَلْعَ شَجَرِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ الْقِيمَةَ أَوْ لَا ; لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَحْوِيلِهِ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى إِبْقَاءِ الْغِرَاسِ وَدَفْعِ أَجْرِ الْأَرْضِ جَازَ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ نَصِّهِ أَنَّهَا تَصِحُّ بِجُزْءٍ مِنَ الشَّجَرِ، وَبِجُزْءٍ مِنْهُمَا كَالْمُزَارَعَةِ، وَهِيَ الْمُغَارَسَةُ وَالْمُنَاصَبَةُ، اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَالْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذِكْرُهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ كَانَ مَغْرُوسًا، وَلَوْ كَانَ نَاظِرَ وَقَفٍ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِنَاظِرٍ بَعْدَهُ بِيعُ نَصِيبِ الْوَقْفِ بِلَا حَاجَةٍ، وإنَّ لِحَاكِمٍ الْحُكْمَ بِلُزُومِهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَقَطْ، وَالْحُكْمَ بِهِ مِنْ جِهَةِ عِوَضِ الْمِثْلِ، وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ ; لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>