للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَجَرٌ فَزَارَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ صَحَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ، وَإِنْ شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ بَذْرِهِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ أَحَلُّ مِنَ الْإِجَارَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَغْنَمِ وَالْمَغْرَمِ (فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ فَزَارَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ صَحَّ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ لَوِ انْفَرَدَ لَصَحَّ، فَكَذَا إِذَا اجْتَمَعَا، وَسَوَاءٌ قُلَّ بَيَاضُ الْأَرْضِ أَوْ كَثُرَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ تَسَاوَى نَصِيبُ الْعَامِلِ فِيهِمَا أَوِ اخْتَلَفَ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْمُعَامَلَةِ أَوِ الْمُسَاقَاةَ فَلَوْ زَارَعَهُ عَلَى أَرْضٍ فِيهَا شَجَرٌ لَمْ يَجُزْ لِلْعَامِلِ اشْتِرَاطُ ثَمَرَتِهَا ; لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ كُلَّ الثَّمَرَةِ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانَ الشَّجَرُ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ.

فَرْعٌ: لَا تَجُوزُ إِجَارَةُ أَرْضٍ وَشَجَرٌ فِيهَا.

قَالَ أَحْمَدُ: أَخَافُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ شَجَرًا لَمْ يُثْمِرْ، وَذَكَرَ أَبُو عُبِيدٍ تَحْرِيمَهُ إِجْمَاعًا، وَجَوَّزَهُ ابْنُ عَقِيلٍ تَبَعًا وَلَوْ كَانَ الشَّجَرُ أَكْثَرَ ; لِأَنَّ عُمَرَ ضَمِنَ حَدِيقَةَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لَمَّا مَاتَ ثَلَاثَ سِنِينَ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ، رَوَاهُ حَرْبٌ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ وَهُوَ أُجْرَةٌ.

وَجَوَّزَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِجَارَةَ الشَّجَرِ مُفْرَدًا، وَيَقُومُ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَأَرْضٍ لِزَرْعٍ، فَإِنْ تَلِفَتِ الثَّمَرَةُ فَلَا أُجْرَةَ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ الْعَادَةِ فَالْفَسْخُ أَوِ الْأَرْشُ لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ كَجَائِحَةٍ (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ) فَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَهُ الْعَامِلُ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمُزَارَعَةِ قَضِيَّةُ خَيْبَرَ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْبَذْرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي نَمَائِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْمُضَارَبَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ نَصٍّ، ثُمَّ هُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا إِذَا اشْتَرَكَ مَالَانِ وَبَدَنُ أَحَدِهِمَا.

تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ الْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَشَرَطَا الْمُنَاصَفَةَ فِي الزَّرْعِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ قِيلَ بِصِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ، أَوْ فَسَادِهَا، فَإِنْ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا لَمْ يَرْجِعْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِهَا فَعَلَى الْعَامِلِ نِصْفُ أَجْرِ الْأَرْضِ، وَلَهُ عَلَى رَبِّهَا نِصْفُ أَجْرِ عَمَلِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>