كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحًا تَيَمَّمَ لَهُ، وَغَسَلَ الْبَاقِيَ وَإِنْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَكَانَهُ غَالِبًا، وَقِيلَ: بَلْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ إِلَى مَكَانِ بَيْعِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، غَنِيٌّ عَنْهُ، فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ، وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَنَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ، لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاءُ سَتْرِ عَوْرَتِهِ لِلصَّلَاةِ فَكَذَا هُنَا، فَإِذَا كَثُرَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ، لِأَنَّهَا تَجْعَلُ الْمَوْجُودَ حِسًّا كَالْمَعْدُومِ شَرْعًا، وَقَيَّدَهُ فِي " الْمُغْنِي " بِمَا إِذَا أَجْحَفَتْ بِمَالِهِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا، فَلَوْ كَثُرَتْ مِنْ غَيْرِ إِجْحَافٍ بِمَالِهِ، فَوَجْهَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ يَسِيرَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، كَضَرَرٍ يَسِيرٍ فِي بَدَنِهِ مِنْ صُدَاعٍ، أَوْ بَرْدٍ فَهُنَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الْعَيْنِ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي الْمَنْعِ مِنَ الِانْتِقَالِ إِلَى الْبَدَلِ، كَمَا لَوْ بِيعَتْ بِثَمَنِ مِثْلِهَا، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءٌ مَعَ زِيَادَةٍ مُطْلَقًا، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا بِالزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ خَافَ لِصًّا يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: إِذَا بُذِلَ لَهُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ فِي بَلَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَرُبَّمَا تَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ، وَكَالْهَدْيِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ كَالْكَفَّارَةِ فِي شِرَاءِ الرَّقَبَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمُكَفِّرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَلَدِهِ مَا يُوَفِّيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا (أَوْ ثَمَنٍ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الثَّمَنِ يُبِيحُ الِانْتِقَالَ إِلَى الْبَدَلِ، دَلِيلُهُ الْعَجْزُ عَنْ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَلَوْ وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ لَا ثَمَنُهُ فِي الْأَشْهَرِ، لِأَنَّ فِيهِ مِنَّةً، وَحَبْلٌ وَدَلْوٌ، كَمَاءٍ، وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُمَا عَارِيَةً، وَإِنِ اسْتَغْنَى صَاحِبُ الْمَاءِ عَنْهُ، وَلَمْ يَبْذُلْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ قَهْرًا، لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا، وَمَنْ تَرَكَ مَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَتَحْصِيلُهُ مِنْ مَاءٍ وَغَيْرِهِ، تَيَمَّمَ، وَصَلَّى، فَإِنَّهُ يُعِيدُ.
١ -
(فَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحًا) وَتَضَرَّرَ (تَيَمَّمَ لَهُ وَغَسَلَ الْبَاقِيَ) يَعْنِي أَنَّ الْجَرِيحَ يَتَيَمَّمُ لِلْمُحْتَاجِ، وَيَغْسِلُ غَيْرَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ لِقِصَّةِ صَاحِبِ الشَّجَّةِ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهِ، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» ، وَظَاهِرُ الْخَبَرِ يَجْمَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute