الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ، وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ صَاحِبِهَا فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَدَلَ عَنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَ بِغَيْرِ إِجَارَةٍ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِيمَا إِذَا اكْتَرَى لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: إِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزَرْعِ شَعِيرٍ، فَزَرَعَهَا حِنْطَةً أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ، فَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ، وَمَسْأَلَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَيَنْقُلُ كُلًّا مِنْهُمَا إِلَى الْأُخْرَى لِتَسَاوِيهِمَا فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَتَمَيَّزُ، فَيَكُونُ فِيهِمَا وَجْهَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ مَا حَصَلَ التَّعَدِّي فِيهِ فِي الْحَمْلِ مُتَمَيِّزٌ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِهِ كُلِّهِ أَشْبَهَ الْغَاصِبَ، وَلِهَذَا عَلَّلَ أَبُو بَكْرٍ بِالْعُدُولِ عَنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِلْحَاقُهَا بِمَا إِذَا اكْتَرَى إِلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ أَشَدُّ لِشِدَّةِ شَبَهِهَا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُحَرَّرِ " مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ فِي الزَّرْعِ أَنَّهُ يُنْظَرُ مَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ النُّقْصَانِ، فَيُعْطَاهُ رَبُّ الْأَرْضِ، فَيُقَالُ أُجْرَةُ مِثْلِهَا إِذَا زَرَعَهَا حِنْطَةً مِائَةٌ، وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا إِذَا زَرَعَهَا شَعِيرًا ثَمَانُونَ، فَالْوَاجِبُ مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ عِشْرُونَ.
وَنَظِيرُهُ مَا لَوِ اكْتَرَى غُرْفَةً لِيَجْعَلَ فِيهَا أَقْفِزَةً مَعْلُومَةً، فَزَادَ عَلَيْهَا، وَلَوِ اكْتَرَاهَا لِيَجْعَلَ فِيهَا قِنْطَارَ قُطْنٍ فَجَعَلَ قِنْطَارَ حَدِيدٍ فَفِي الْأُولَى لَهُ الْمُسَمَّى وَأُجراء الزِّيَادَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَخْرُجُ فِيهَا الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ (وَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا) سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي الزِّيَادَةِ، أَوْ بَعْدَ رَدِّهَا إِلَى الْمَسَافَةِ ; لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ أَشْبَهَ الْغَاصِبَ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ صَاحِبِهَا) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا (فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا يَدَانِ يَدُ صَاحِبِهَا، وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ، فَالَّذِي يُقَابِلُهُ النِّصْفُ، فَيَضْمَنُ، وَكَمَا لَوْ زَادَ شَوْطًا فِي الْحَدِّ، وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ كُلُّهَا حَيْثُ لَمْ يَرْضَ مَالِكُهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَنَصَرَهُ الْأَكْثَرُ إِنَاطَةً بِالتَّعَدِّي. وَسُكُوتُ صَاحِبِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَمَا لَوْ أُبِيعَ مِلْكُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يَمْنَعْهُ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الشَّرْحِ الصَّغِيرِ " أَنَّهُ لَا ضَمَانَ لِوُجُودِ يَدِ الْمَالِكِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِ رَاكِبِهَا، أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ ضَمِنَهَا، وَإِنْ كَانَ سَلَّمَهَا لِمَالِكِهَا لِيَسْقِيَهَا، أَوْ لِيُمْسِكَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَوَافَقَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمَا اسْتَثْنَيَا فِيمَا إِذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا بِسَبَبِ تَعَبِهَا مِنَ الْحَمْلِ وَنَحْوِهِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتَعَدِّي كَمَا لَوْ أَلْقَى حَجَرًا فِي سَفِينَةٍ مُوقَرَةٍ فَغَرَّقَهَا، وَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بِرَدِّهَا إِلَى الْمَسَافَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute