للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُقْلَعْ حَتَّى تُرْسَى، وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ، وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْ قَلْعِهِ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا لِلْغَاصِبِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَيُذْبَحُ الْحَيَوَانُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ لَزِمَهُ رَدُّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

قَلْعِهِ إِفْسَادًا لِمَالِ الْغَيْرِ مَعَ إِمْكَانِ رَدِّ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ بِعُذْرٍ مِنْ يَسِيرٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لِلْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا أَوْ لَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَ فِيهَا حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ، أَوْ مَالٌ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ لَمْ يُقْلَعْ كَالْخَيْطِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ إِتْلَافٍ، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهَا مَالُ غَيْرِهِ، وَاقْتَضَى مَا سَبَقَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى السَّاحِلِ، أَوْ كَانَتْ فِي اللُّجَّةِ وَاللَّوْحُ فِي أَعْلَاهَا بِحَيْثُ لَا تَغْرَقُ لَزِمَهُ الْقَلْعُ (وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ) مُحْتَرَمٍ (وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْ قَلْعِهِ) الضَّرَرُ، وَقِيلَ: التَّلَفُ، جُزِمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَوَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَظَاهِرُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَلْعُ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ آكَدُ حُرْمَةً مِنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَنْعُ نَمَائِهِ مِنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْمُرْتَدِّ، وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ تَفْوِيتَ ذِي حُرْمَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ خَاطَ بِهِ ثَوْبًا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولًا لِلْغَاصِبِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَيُذْبَحُ الْحَيَوَانُ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ، وَالِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ عَلَى الْغَاصِبِ، فَلَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ وُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ كَنَقْصِ الْبِنَاءِ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ قَلْعُهُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ، وَلِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ، وَلِلْمُؤَلِّفِ احْتِمَالٌ: يُذْبَحُ الْمُعَدُّ لَهُ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهِ كَالْخَيْلِ؛ لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ لَهُ فَجَرَى مَجْرَى مَا لَا يُؤْكَلُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إِذَا كَانَ مَأْكُولًا لِغَيْرِ الْغَاصِبِ، صُرِّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "؛ لِأَنَّ فِيهِ إِضْرَارًا بِصَاحِبِهِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ (وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ لَزِمَهُ رَدُّهُ) لِأَنَّ عَدَمَ الرَّدِّ فِي الْحَيَاةِ إِنَّمَا كَانَ خَشْيَةَ التَّلَفِ، وَقَدْ أُمِنَ بِالْمَوْتِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا) فَلَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ بَاقِيَةٌ، وَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ فِيهَا، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ قِيمَتُهُ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الرَّدُّ لِلْعُمُومِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>