فِي سَابِلَةٍ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِنْ بَسَطَ فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْإِمَامُ فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ لِلْإِمَامِ الْإِذْنَ فِيهِ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ بِيعُ شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ النَّافِذِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ، وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
وَفِي " الْفُرُوعِ " يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِلْمَصْلَحَةِ (وَإِنْ حَفَرَهَا فِي سَابِلَةٍ) وَهِيَ الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكَةُ السَّبِيلُ: الطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ) لِيَنْزِلَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، أَوْ لِيَشْرَبَ مِنْهَا الْمَارَّةُ (لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ) لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِفِعْلِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، أَشْبَهَ بَاسِطَ الْحَصِيرِ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، وَمَعْنَاهُ فِي " الْوَجِيزِ " بِأَنْ حَفَرَهَا فِي سَابِلَةٍ وَاسِعَةٍ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ، وَالثَّانِيَةُ يَضْمَنُ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عَلَى حِكَايَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَلَمْ تُوجَدْ، وَعَنْهُ: يَضْمَنُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَيَشُقُّ اسْتِئْذَانُ الْإِمَامِ، وَتَعُمُّ الْبَلْوَى بِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ، أَوِ ارْتِفَاقٍ، أَوِ انْتِفَاعٍ عَامٍّ، نُصَّ عَلَيْهِ، أَوْ بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَهُمَا لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ.
فَرْعٌ: فِعْلُ عَبْدِهِ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ، أَعْتَقَهُ أَوْ لَا، وَيَضْمَنُ سُلْطَانٌ آمِرٌ وَحْدَهُ، وَإِنْ حَفَرَهَا حُرٌّ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا وَثَبَتَ عِلْمُهُ أَنَّهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، ضَمِنَ الْحَافِرَ، وَنَصُّهُ: هُمَا، وَإِنْ جَهِلَ فَالْآمِرُ. وَقِيلَ: الْحَافِرُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ.
تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْبِنَاءِ فِي الطَّرِيقِ كَالْحَفْرِ فِيهِ، مَسْجِدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، نَقَلَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: أَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطَّرِيقِ تُهْدَمُ، وَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ: يَزِيدُ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: لَا تُصَلِّي فِيهِ، وَفِي " الْمُغْنِي ": يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ إِذْنُ الْإِمَامِ فِي الْبِنَاءِ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ الْحَفْرِ لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا، وَإِزَالَةِ الطِّينِ وَالْمَاءِ مِنْهَا فَهُوَ كَتَنْقِيَتِهَا، وَحَفْرِ هَدَفِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute