. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَنْهُ وَغَيْرِهِ: إِلَّا فِي مَنْقُولٍ يَنْقَسِمُ، فَالشِّقْصُ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ أَخْذٌ بِالْجِوَارِ، وَبِالْإِشَاعَةِ عَنِ الْمَقْسُومِ، وَبِالْعَقَارِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ (فَأَمَّا الْمَقْسُومُ الْمُحَدَّدُ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ فِيهِ) فِي قَوْلِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَلْقٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِقَوْلِهِ: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» مَعْنَاهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ حَاصِلَةٌ، أَوْ ثَابِتَةٌ، أَوْ مُسْتَقِرَّةٌ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَمَا قُسِمَ لَا تَحْصُلُ فِيهِ، وَلَا تَثْبُتُ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا رِوَايَةُ الْحَصْرِ، وَالرَّاوِي ثِقَةٌ عَالِمٌ بِاللُّغَةِ، فَيَنْقِلُ اللَّفْظَ بِمَعْنَاهُ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ، حَكَاهَا الْقَاضِي يَعْقُوبُ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالْحَارِثِيُّ، وَكَذَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَعَ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى أَبُو رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
وَلِأَنَّهُ اتِّصَالُ مِلْكٍ يَدُومُ وَيَتَأَبَّدُ، فَتَثْبُتُ فِيهِ كَالشَّرِكَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهَا، فَإِنَّ الصَّقَبَ الْقُرْبُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِحْسَانِ جَارِهِ وَصِلَتِهِ مَعَ أَنَّ خَبَرَنَا صَرِيحٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَحَادِيثُهُمْ فِيهَا مَقَالٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَارِ الشَّرِيكَ كَمَا تُسَمَّى الضَّرَّتَانِ جَارَتَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الزَّوْجِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ فِي مَوْضِعِ الْوِفَاقِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِمَعْنًى مَعْدُومٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَلَا تَثْبُتُ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّرِيقِ مُفْرَدَةً، أَوْ مُشْتَرَكَةً، وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ: الشُّفْعَةُ لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا مُشْتَرَكًا لَمْ يَقْتَسِمُوا، فَإِذَا صُرِفَتِ الطُّرُقُ، وَعُرِفَتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» ، وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ لَهَا طَرِيقٌ فِي دَرْبٍ لَا يَنْفُذُ فَوَجْهَانِ، وَالْأَشْهَرُ يَجِبُ إِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ غَيْرُهُ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابِهِ إِلَى شَارِعٍ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ فَوْقَ حَاجَتِهِ، فَفِي زَائِدٍ وَجْهَانِ، وَكَذَا دِهْلِيزُ جَارِهِ وَصَحْنُهُ.
فَرْعٌ: إِذَا قَدِمَ مَنْ لَا يَرَاهَا لِجَارٍ إِلَى حَاكِمٍ، فَأَنْكَرَ، لَمْ يَحْلِفْ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ خَرَجَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ اخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ الْقَاضِيَ: لِأَنَّ يَمِينَهُ هُنَا عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ، وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ ظَنِّيَّةٌ، فَلَا يُقْطَعُ بِبُطْلَانِ مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute