للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَسْقُطُ، وَإِنْ بَاعَ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِأَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ بِعَيْبٍ، أَوْ إِقَالَةٍ، أَوْ تَخَالُفٍ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا، وَلِأَنَّ فِيهَا هَاهُنَا إِضْرَارًا بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: مَنِ اشْتَرَى دَارًا فَجَعَلَهَا مَسْجِدًا، فَقَدِ اسْتَهْلَكَهَا وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَكَذَا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا بِرَهْنٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إِجَارَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَسْقُطُ) بَلْ لِلشَّفِيعِ فَسْخُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، حَتَّى لَوْ جَعَلَهُ مَسْجِدًا، وَفِي " الْفُصُولِ ": عَنْهُ لَا؛ لِأَنَّهُ شَفِيعٌ، وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ فَسْخَ الْبَيْعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مَعَ إِمْكَانِ الْأَخْذِ بِهِمَا، فَلِأَنْ يَمْلِكَ فَسْخَ عَقْدٍ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَسْبَقُ، وَجَنَبَتَهُ أَقْوَى فَلَمْ يَمْلِكِ الْمُشْتَرِي تَصَرُّفًا يُبْطِلُ حَقَّهُ، وَفِي " الْفُرُوعِ " تَوْجِيهٌ، أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إِذَا وَقَفَ مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ لَمْ يُبْطِلِ الْوَقْفَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ يَأْخُذُهُ مِنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يَفْسَخُ عَقْدَ الْوَقْفِ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْوَقْفِ بِشَرْطِهِ، فَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَهُنَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْتَرِي الَّذِي وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ، فَيُفْسَخُ عَقْدُ الْوَقْفِ، وَيُؤْخَذُ حَالُ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَوْ وَقْفًا، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمُطَالَبَتِهِ، وَقِيلَ: وَقَبْضِهِ.

(وَإِنْ بَاعَ) الْمُشْتَرِي (فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِأَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ) لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ الشِّرَاءُ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِي الْعَقْدَيْنِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَصَحَّ قَبْضُهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ، لَا يَمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَبِيعِ مَعِيبًا، فَإِنْهُ لَا يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فِي الْآخَرِ، وَكَالِابْنِ يَتَصَرَّفُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ، وَإِنْ جَازَ لِأَبِيهِ الرُّجُوعُ فِيهَا (فَإِنْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضَ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمَ حَتَّى تَبَايَعَ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَوَّلِ، وَيَنْفَسِخَ الْعَقْدَانِ الْآخَرَانِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّانِي، وَيَنْفَسِخَ الثَّالِثُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّالِثِ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِشَيْءٍ مِنَ الْعُقُودِ، وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي مُوسَى هَذَا الْحُكْمَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الشِّقْصُ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ، فَالْمُطَالَبَةُ لَهُ وَحْدَهُ (وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ) أَيْ: فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (أَوْ إِقَالَةٍ، أَوْ تَخَالُفٍ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، وَعَنْهُ: إِنِ اسْتَقَالَهُ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، لَمْ تَكُنْ لَهُ شُفْعَةٌ، وَكَذَا إِنْ تَرَادَّا بِعَيْبٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي صُورَةِ الْإِقَالَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْبَيْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>