للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرْقِيَةِ مَائِهَا، وَقِيلَ: إِحْيَاءُ الْأَرْضِ مَا عَدَا إِحْيَاءً وَهُوَ عِمَارَتُهَا بِمَا تَتَهَيَّأُ بِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَقِيلَ: مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ كَالسَّقْيِ، وَالْحَرْثِ، فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَمَا لَا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

عَلَى الْمَجَازِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِنْهُ قَدْ يُحْتَاجُ إِلَى حَرِيمِهَا لِغَيْرِ تَرْقِيَةِ الْمَاءِ لِمَوْقِفِ الْمَاشِيَةِ وَعَطَنِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " لَهُ أَبْعَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْحَاجَةِ، أَوْ قَدْرُ الْأَذْرُعِ، مَعَ أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ فِي التَّقْدِيرِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، فَأَمَّا حَرِيمُ الْعَيْنِ الْمُسْتَخْرَجَةِ فَهُوَ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْكَافِي " وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ قَدْرُ الْحَاجَةِ، وَحَرِيمُ النَّهْرِ: مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِطَرْحِ كِرَايَتِهِ، وَطَرِيقِ شَاوِيهِ، وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَثُرَ (وَقِيلَ: إِحْيَاءُ الْأَرْضِ مَا عُدَّ إِحْيَاءً) وَحَكَاهُ الْقَاضِي رِوَايَةً؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ الْإِحْيَاءَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ (وَهُوَ عِمَارَتُهَا بِمَا تَتَهَيَّأُ بِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ) هَذَا بَيَانٌ لِمَا يُعَدُّ إِحْيَاءً فِي الْعُرْفِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تُحْيَى دَارًا لِلسُّكْنَى، وَحَظِيرَةً، وَمَزْرَعَةً، فَإِحْيَاءُ كُلٍّ مِنْهَا بِمَا يُنَاسِبُهُ، فَإِنْ كَانَتْ لِلسُّكْنَى، فَإِحْيَاؤُهَا بِبِنَاءِ حِيطَانِهَا، وَتَسْقِيفِ بَعْضِهَا بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَعَنْهُ: وَقَسْمُ بُيُوتِهِ، وَعُلُوُّ أَبْوَابِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " لَا يُعْتَبَرُ نَصْبُ أَبْوَابٍ عَلَى الْبُيُوتِ، وَإِنْ كَانَتْ حَظِيرَةً فَبِنَاءُ حَائِطٍ جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلزَّرْعِ فَبِأَنْ يَسُوقَ إِلَيْهَا مَاءً إِنْ كَانَتْ تُسْقَى، وَيَقْلَعَ مَا بِهَا مِنَ الْأَحْجَارِ إِنِ احْتَاجَتْ إِلَى ذَلِكَ، وَيَقْلَعَ مَا بِهَا مِنَ الْأَشْجَارِ كَأَرْضِ الشِّعْرَى، وَيُزِيلَ عُرُوقَهَا الْمَانِعَةَ مِنَ الزَّرْعِ، أَوْ يَحْبِسَ الْمَاءَ عَنْهَا كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَزْرَعَهَا، وَيَسْقِيَهَا، وَلَا أَنْ يَحْرُثَهَا فِي الْأَصَحِّ.

وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، فَقَالَ: أَنْ يُحَوِّطَهَا بِحَائِطٍ أَوْ يُعَمِّرَهَا الْعِمَارَةَ الْعُرْفِيَّةَ (وَقِيلَ: مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ كَالسَّقْيِ، وَالْحَرْثِ، فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَمَا لَا يَتَكَرَّرُ فَهُوَ إِحْيَاءٌ) لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ كَثِيرَةَ الدَّغَلِ وَالْحَشِيشِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا إِلَّا بِتَكْرَارِ حَرْثِهَا، وَتَنْقِيَةِ دَغْلِهَا وَحَشِيشِهَا الْمَانِعِ مِنْ زَرْعِهَا كَانَ إِحْيَاءً.

تَنْبِيهٌ: حَرِيمُ شَجَرٍ قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا، فَإِنْ غَرَسَهَا فِي مَوَاتٍ فَهِيَ لَهُ وَحَرِيمُهَا، وَإِنْ سَبَقَ إِلَى شَجَرٍ مُبَاحٍ كَزَيْتُونٍ وَخَرُّوبٍ، فَسَقَاهُ وَأَصْلَحَهُ فَهُوَ لَهُ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>