إِلَى مَنْ يَلِيهِ، فَإِنْ أَرَادَ إِنْسَانٌ إِحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ، جَازَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَإِلَّا أَقْرَعَ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَفْضُلُ عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَى مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ (فَإِنْ أَرَادَ إِنْسَانٌ إِحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ جَازَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ) أَيْ: إِذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ لِيُحْيِيَ مَوَاتًا أَقْرَبَ مِنْ رَأَسِ النَّهْرِ مِنْ أَرْضِهِمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْبَقُ إِلَى النَّهْرِ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مَنْعَهُ مِنَ الْإِحْيَاءِ، وَفِيهِ وَجْهٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ سَبَقَ إِلَى مَسِيلِ مَاءٍ، أَوْ نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَأَحْيَا فِي أَسْفَلِهِ مَوَاتًا ثُمَّ آخَرُ فَوْقَهُ ثُمَّ ثَالِثٌ، سَقَى الْمُحْيِي أَوَّلًا ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ تَقَدُّمُ السَّبْقِ إِلَى الْإِحْيَاءِ لَا إِلَى أَوَّلِ النَّهْرِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْجَارِي فِي نَهْرٍ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُبَاحَ الْأَصْلِ، مِثْلَ أَنْ يَحْفُرَ إِنْسَانٌ نَهْرًا يَتَّصِلُ بِنَهْرٍ كَبِيرٍ مُبَاحٍ، فَمَا لَمْ يَتَّصِلْ لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ، فَإِذَا اتَّصَلَ الْحَفْرُ مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ فِيهِ، إِذِ الْإِحْيَاءُ يَحْصُلُ بِتَهْيِئَتِهِ لِلِانْتِفَاعِ دُونَ حُصُولِ الْمَنْفَعَةِ، فَيَصِيرُ مَالِكًا لِقَرَارِهِ، وَحَافَّتَيْهِ، وَحَرِيمِهِ، وَهُوَ مُلْقَى الطِّينِ مِنْ جَوَانِبِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ إِذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الْعَمَلِ وَالنَّفَقَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُفَّهُمْ، وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ جَازَ، وَإِلَّا قَسَّمَهُ حَاكِمٌ عِنْدَ التَّشَاحِّ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ، فَإِنِ احْتَاجَ الْمُشْتَرِكَ إِلَى كَرِيٍّ أَوْ عِمَارَةٍ كَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمْ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَدْنَى إِلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ اشْتَرَكَ الْكُلُّ، إِلَى أَنْ يَصِلُوا إِلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مَنْ بَعْدَهُ كَذَلِكَ كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ، فَإِذَا حَصَلَ نَصِيبُ إِنْسَانٍ فِي سَاقِيَتِهِ سَقَى بِهِ مَا شَاءَ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ سَقْيُ أَرْضٍ، لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي سَاقِيَتِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ إِجْرَاءِ مَاءٍ، أَوْ رَحًى، أَوْ دُولَابٍ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِكِ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ النَّهْرِ قَبْلَ قَسْمِهِ شَيْئًا يَسْقِي بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute