أَوْ فَضَّلَهُ فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أَوْ إِعْطَاءِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوُوا، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَعَالَى، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّسْوِيَةَ فِي أَصْلِ الْعَطَاءِ، وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي النَّفَقَةِ كَشَيْءٍ تَافِهٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: كَشَيْءٍ يَسِيرٍ، وَعَنْهُ: بَلَى، مَعَ تَسَاوِي فَقْرٍ أَوْ غِنًى، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ، فَدَخَلَ فِيهِ نَظَرُ وَقْفٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَ غَيْرِهِمْ، بَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْأَوْلَادِ فَقَطْ، جَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي كُتُبِهِ، وَزَعَمَ الْحَارِثِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَأَنَّ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ سَهْوٌ؛ إِذِ الْأَصْلُ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي مَالِهِ كَيْفَ شَاءَ، خَرَجَ مِنْهُ الْأَوْلَادُ لِلْخَبَرِ، مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَسْأَلْ بَشِيرًا هَلْ لَكَ وَارِثٌ غَيْرُ وَلَدِكَ أَمْ لَا؟ وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَقَارِبِ كَالْأَوْلَادِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ خَوْفُ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالتَّبَاغُضِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَقَارِبِ، وَالْأُمُّ كَالْأَبِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ أَشْبَهَتِ الْأَبَ، وَلِوُجُودِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْمَنْعِ (فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ أَوْ فَضَّلَهُ فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أَوْ إِعْطَاءِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوُوا) ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ؛ لِمَا «رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ، فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ: فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ، وَفِي لَفْظٍ: فَارْدُدْهُ، وَفِي لَفْظٍ: فَأَرْجِعُهُ، وَفِي لَفْظٍ: لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، وَفِي لَفْظٍ: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، وَفِي لَفْظٍ: سَوِّ بَيْنَهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّاهُ جَوْرًا أَوْ أَمَرَ بَرَدِّهِ، وَامْتَنَعَ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَوْرَ حَرَامٌ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَهُوَ يُورِثُ الْعَدَاوَةَ، وَالْبَغْضَاءَ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، فَمَنَعَ مِنْهُ، كَتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَفْضِيلُ أَحَدِهِمْ، وَاخْتِصَاصُهُ لِمَعْنًى فِيهِ، وَيُكْرَهُ إِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْأَثَرَةِ، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَقَالَ اللَّيْثُ وَالثَّلَاثَةُ: يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَحَلَ عَائِشَةَ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا دُونَ سَائِرِ وَلَدِهِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، فَأَمَرَهُ بِتَأْكِيدِهَا دُونَ الرُّجُوعِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ تَلْزَمُ بِمَوْتِ الْمُعْطِي كَالتَّسْوِيَةِ، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ فِعْلَ أَبِي بَكْرٍ لَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ، وَبِأَنَّهُ نَحَلَهَا لِمَعْنًى فِيهَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَوْلَادِهِ، أَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute