للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَّا الْخَمْرَةُ إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا. وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ، وَقِيلَ: تَطْهُرُ، وَلَا تَطْهُرُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَذَكَرَهَا فِي " الشَّرْحِ " تَخْرِيجًا قِيَاسًا عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ، فَحَيَوَانٌ مُتَوَلَّدٌ مِنْ نَجَاسَةٍ كَدُودِ الْجُرُوحِ وَالْقُرُوحِ، وَصَرَاصِيرِ الْكَنِيفِ طَاهِرٌ لَا مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَتَيْنِ فِي نَجَاسَةِ وَجْهِ تَنُّورٍ سُجِّرَ بِنَجَاسَةٍ، وَنَقَلَ الْأَكْثَرُ يُغْسَلُ، وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَرْبٍ لَا بَأْسَ، وَعَلَيْهِمَا يَخْرُجُ عَمَلُ زَيْتٍ نَجِسٍ صَابُونًا، وَتُرَابِ جَبَلٍ بِرَوْثِ حِمَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلْ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ فِي رِوَايَةٍ، وَذَكَرَ الْأَزَجِّيُّ أَنَّ نَجَسَ التَّنُّورِ بِذَلِكَ طَهُرَ بِمَسْحِهِ بِيَابِسٍ، وَإِنْ مُسِحَ بِرَطْبٍ تَعَيَّنَ الْغَسْلُ، وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ: يُسَجَّرُ التَّنُّورُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى ذَلِكَ.

فَرْعٌ: الْقُصْرُمُلُّ وَدُخَانُ النَّجَاسَةِ وَغُبَارُهَا نَجِسٌ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، وَكَذَا مَا تَصَاعَدَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ النَّجِسِ إِلَى الْجِسْمِ الصَّقِيلِ، ثُمَّ عَادَ فَقَطَرَ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ نَفْسُ الرُّطُوبَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ، وَإِنَّمَا يَتَصَاعَدُ فِي الْهَوَاءِ كَمَا يَتَصَاعَدُ بُخَارُ الْحَمَّامَاتِ، وَبُخَارُ الْحَمَّامَاتِ طَهُورٌ. (إِلَّا الْخَمْرَةُ) هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ خَمَرَ إِذَا سَتَرَ، وَمِنْهُ خِمَارُ الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ غَطَّى شَيْئًا فَقَدْ خَمَرَهُ، وَمِنْهُ: «خَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ» وَالْخَمْرُ يُخَمِّرُ الْعَقْلَ أَيْ: يُغَطِّيهِ وَيَسْتُرُهُ، وَهِيَ نَجِسَةٌ إِجْمَاعًا، لَكِنْ خَالَفَ فِيهِ اللَّيْثُ، وَرَبِيعَةُ، وَدَاوُدُ، وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْمُزَنِيِّ، فَقَالُوا بِطَهَارَتِهَا، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِلنَّجَاسَةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً لَفَاتَ الِامْتِنَانُ بِكَوْنِ شَرَابِ الْجَنَّةِ طَهُورًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: ٢١] أَيْ: طَاهِرًا، وَعَلَّلَهُ فِي " الشَّرْحِ " بِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ الدَّمَ (إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا) فَإِنَّهَا تَطْهُرُ فِي الْمَنْصُوصِ، وَفِي " الشَّرْحِ " لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِشِدَّتِهَا الْمُسْكِرَةِ، وَقَدْ زَالَتْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا، فَوَجَبَ أَنْ تَطْهُرَ كَالْمَاءِ، لَا يُقَالُ: حُكْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَذَلِكَ أَيْ: تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِعَيْنِهَا، وَالْخَمْرَةُ نَجَاسَتُهَا لِأَمْرٍ زَالَ بِالِانْقِلَابِ، وَالنَّبِيذُ كَذَلِكَ، وَخَالَفَ الْقَاضِي فِيهِ، لِأَنَّ فِيهِ مَاءً نَجِسًا، وَدَنُّهَا مِثْلُهَا، قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>