للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ، فَإِنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ كَأَخٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ، فَيَأْخُذُهُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَخَذَ فَرْضَهُ، ثُمَّ لِلْجَدِّ الْأَحَظُّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ كَأَخٍ أَوْ ثُلُثُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

(وَحَالٌ رَابِعٌ، وَهِيَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ، فَإِنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ كَأَخٍ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْأَخَ ذَكَرٌ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ، فَلَمْ يُسْقِطْهُ الْجَدُّ كَالِابْنِ، وَلِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي بِالْأَبِ: الْجَدُّ بِالْأُبُوَّةِ وَالْأَخُ بِالْبُنُوَّةِ، وَقَرَابَةُ الْبُنُوَّةِ لَا تَنْقُصُ عَنْ قَرَابَةِ الْأُبُوَّةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ أَقْوَى مِنْهَا، فَإِنَّ الِابْنَ يُسْقِطُ تَعْصِيبَ الْأَبِ، وَلِذَلِكَ مَثَّلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشَجَرَةٍ أَنْبَتَتْ غُصْنًا، فَانْفَرَقَ مِنْهُ غُصْنَانِ، كُلٌّ مِنْهُمَا أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى أَصْلِ الشَّجَرَةِ، وَمَثَّلَهُ زَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِوَادٍ خَرَجَ مِنْهُ نَهْرٌ انْفَرَقَ مِنْهُ جُزْءٌ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْوَادِي (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ فَيَأْخُذُهُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقَدْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ، وَالضَّابِطُ: أَنَّ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ إِنْ كَانُوا مِثْلَيْهِ، فَالْمُقَاسَمَةُ وَالثُّلُثُ سِيَّانِ، وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: جَدٌّ وَأَخَوَانِ، جَدٌّ وَأَخٌ وَأُخْتَانِ، جَدٌّ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ، وَإِنْ كَانُوا دُونَ مِثْلَيْهِ، فَالْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لَهُ، وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: جَدٌّ وَأَخٌ، جَدٌّ وَأُخْتَانِ، جَدٌّ وَأَخٌ وَأُخْتٌ، جَدٌّ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، جَدٌّ وَأُخْتٌ، وَإِنْ كَانُوا فَوْقَ الْمِثْلَيْنِ، فَالثُّلُثُ خَيْرٌ لَهُ، وَوَجْهُهُ بِأَنَّ الْجَدَّ وَالْأُمَّ إِذَا اجْتَمَعَا أَخَذَ الْجَدُّ مِثْلَيْ مَا تَأْخُذُ الْأُمُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْخُذُ إِلَّا الثُّلُثَ، وَالْإِخْوَةُ لَا يُنْقِصُونَ الْأُمَّ مِنَ السُّدُسِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُنْقِصُوا الْجَدَّ مِنْ ضِعْفِ السُّدُسِ، وَعَنْهُ: أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ، كَمَا يُسْقِطُهُمُ الْأَبُ، اخْتَارَهَا أَبُو حَفَصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْآجُرِّيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ، وَعُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَهُ الْمُزَنِيُّ، وَابْنُ سُرَيْجٍ، وَابْنُ اللَّبَّانِ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ بِالنُّصُوصِ السَّابِقَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ، يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا، وَلِأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْأَخِ؛ لِأَنَّ لَهُ إِيلَادًا، وَلَوِ ازْدَحَمَتِ الْفُرُوضُ، سَقَطَ الْأَخُ دُونَهُ، لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَيْفِيَّةِ إِرْثِهِ مَعَهُمْ، هُوَ قَوْلُ زَيْدٍ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا، «قَالَ أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ، وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدٌ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ إِرْسَالَهُ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ أَخَذَ فَرْضَهُ) لِلنَّصِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>