شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَلَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَا يَتَسَرَّى، وَلَا يَتَبَرَّعَ، وَلَا يُقْرِضَ، وَلَا يُحَابِيَ، وَلَا يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ، وَلَا يَعْتِقَ، وَلَا يُكَاتِبَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَوَلَاءُ مَنْ يُعْتِقُهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مِنَ الْعِوَضِ كَالْحُرِّ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ، وَالْأَخْذُ بِهَا مِنْ سَيِّدِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَعَكْسُهُ لَوِ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ شِقْصًا لِسَيِّدِهِ فِيهِ شَرِكَةٌ، فَلَهُ الْأَخْذُ مِنَ الْمُكَاتَبِ.
(وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَلَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: إِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَافِرَ، فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ، قَالَهُ الْقَاضِي وَجَمْعٌ ; لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ كَشَرْطِ تَرْكِ الِاكْتِسَابِ.
وَالثَّانِي، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَصِحُّ شَرْطُهُ ; لِأَنَّ لَهُ فِيهِ فَائِدَةً، فَلَزِمَ كَمَا لَوْ شَرَطَ نَقْدًا مَعْلُومًا، فَعَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، فَإِنْ سَافَرَ، فَلَهُ رَدُّهُ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا مَلَكَ تَعْجِيزَهُ، وَرَدَّهُ إِلَى الرِّقِّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِشَرْطِهِ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَإِمْكَانِهِ رَدَّهُ، وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: هُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَنَّهُ إِنْ خَالَفَ مَرَّةً لَمْ يُعَجِّزْهُ بِخِلَافِ الْمَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا رَآهُ يَسْأَلُ النَّاسَ مَرَّةً فِي مَرَّةٍ، عَجَّزَهُ، كَمَا إِذَا حَلَّ نَجْمٌ فِي نَجْمٍ، وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، وَلَا يُطْعِمُهُ مِنْ صَدَقَتِهِمْ وَأَوْسَاخِهِمْ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ سَهْمًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَلَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ حِينَئِذٍ، كَمَا لَا يَصِحُّ شَرْطُ نَوْعٍ مِنَ التِّجَارَةِ.
فَرْعٌ: إِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْعَيْبِ وَالدَّيْنِ صَحِيحٌ ; لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَيَتَعَلَّقُ دَيْنُهُ بِذِمَّتِهِ ; لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ مِنَ السَّيِّدِ غُرُورٌ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَا يَتَسَرَّى، وَلَا يَتَبَرَّعَ، وَلَا يُقْرِضَ، وَلَا يُحَابِيَ، وَلَا يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ، وَلَا يُعْتِقُ، وَلَا يُكَاتِبَ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute