للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ، وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

كَالْبَيْعِ (فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ) ; لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ، (إِلَّا الْأَبُ، لَهُ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) أَيْ: لِلْأَبِ خَاصَّةً تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ - أَذِنَ أَوْ كَرِهَ - وِفَاقًا ; لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى زَيْدٍ، فَأَجَازَاهُ جَمِيعًا ; وَلِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ تَوْلِيَةٍ، فَكَانَ لَهُ تَزْوِيجُهُ كَابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي إِجْبَارِهِ مُرَاهِقًا نَظَرٌ، وَيَتَوَجَّهُ كَأُنْثَى أَوْ عَبْدٍ مُمَيِّزٍ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ قُبِلَ، ذَكَرَهُ فِي " الْإِيضَاحِ " (وَالْمَجَانِينُ) ; لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمْ، فَكَانَ لَهُ وَلَاءُ تَزْوِيجِهِمْ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ ; لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَازَ التَّزْوِيجُ مِنْ أَجْلِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُزَوِّجُ بَالِغًا إِلَّا إِذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ أَمَارَاتُ الشَّهْوَةِ بِاتِّبَاعِ النِّسَاءِ

لِلْمَصْلَحَةِ

، وَقِيلَ: بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: وَاحِدَةٌ، وَفِي أَرْبَعٍ وَجْهَانِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهُ بِحَالٍ ; لِأَنَّهُ رَجُلٌ، فَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَهُ كَالْعَاقِلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ فَالْبَالِغُ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ مَنْ يَخْنُقُ فِي الْأَحْيَانِ إِلَّا بِإِذْنِهِ.

فَرْعٌ: يُزَوِّجُهُمَا حَاكِمٌ لِحَاجَةٍ، وَظَاهِرُ الْإِيضَاحِ لَا، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَفِي " الْفُصُولِ "، وَغَيْرِهِ حَاجَةُ نِكَاحٍ فَقَطْ، وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " بِكُفْءٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ (وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ) أَيْ: تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ - بِغَيْرِ خِلَافٍ - إِذَا زَوَّجَهَا بِكُفْءٍ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: ٤] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تُزَوَّجُ ثُمَّ تُطَلَّقُ، وَلَا إِذْنَ لَهَا فَتُعْتَبَرُ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَهُ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ، فَهِيَ امْرَأَةٌ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الْقَاضِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا.

فَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً، فَلَهُ إِجْبَارُهَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ ; لِحَدِيثِ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَإِنْ أُجْبِرَتْ، أُخِذَ بِتَعْيِينِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>