كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ، فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَلَّلَ الْإِمَامُ الْمَنْعَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ ; لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ وَيَصِيرَ عَلَى دِينِهِمْ، وَمُقْتَضَاهُ: لَا يَتَزَوَّجُ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ إِنْ كَانَتْ مُغَيَّبَةً، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ آيِسَةً وَصَغِيرَةً.
تَنْبِيهٌ: أَهْلُ الْكِتَابِ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ، كَالسَّامِرَةِ، وَالْفِرِنْجِ، وَالْأَرْمَنِ، وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَقَالَ أَحْمَدُ: هُمْ مِنْ جِنْسِ النَّصَارَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ، فَأَلْحَقَهُمْ بِالْيَهُودِ وَفِي " الْمُغْنِي ": الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ الْيَهُودَ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ وَخَالَفَهُمْ فِي فُرُوعِهِ - فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ خَالَفَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ، فَلَا، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ كَالْمُتَمَسِّكِ بِصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَشِيثَ، وَزَبُورِ دَاوُدَ، فَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، فَلَا تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ} [الأنعام: ١٥٦] الْآيَةَ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، فَتَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، أَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ، فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ، الْأُولَى: قَطَعَ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي " - أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُهَا ; لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَنْ يَحِلُّ وَمَنْ لَا يَحِلُّ، كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: بَلَى ; لِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ، فَتَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَحَكَى ابْنُ رَزِينٍ ثَالِثَةً: أَنَّهَا تَحِلُّ إِذَا كَانَ أَبُوهَا كِتَابِيًّا ; لِأَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا خَطَأٌ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالدِّينِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقِ الْحُكْمَ بِالنَّسَبِ الْبَتَّةَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " تَعْلِيقِهِ " رَدًّا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ دُونَ النَّسَبِ، وَالدِّينُ الْمُحَرَّمُ مَوْجُودٌ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ دُونَ النَّسَبِ، وَظَاهِرُهُ إِذَا كَانَ أبواه غير كِتَابِيَّيْنِ، فَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ عَنْهُ: لَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ اعْتِبَارًا بِنَفْسِهِ (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَحِلُّ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْأَثْرَمُ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ كَرِهَهُ إِلَّا عَلِيًّا ; وَلِأَنَّهَا كِتَابِيَّةٌ فَتَشْمَلُهَا الْآيَةُ ; وَلِأَنَّ بَنِي تَغْلِبَ يُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ بِبَذْلِ الْمَالِ، فَتَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ كَأَهْلِ الْكِتَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute