وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ، وَإِنْ شَرَطَ لَهَا طَلَاقَ ضُرَّتِهَا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ صَحِيحٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاطِلٌ ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَجَوَابُهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، أَيْ: فِي حُكْمِهِ وَشَرْعِهِ، وَهَذِهِ مَشْرُوعَةٌ، وَمَنْ نَفَاهُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّهَا لَا تُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ ": يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ بِالْغُرْمِ عَلَى الْإِخْرَاجِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَسَرَّى فَهَذَا صَحِيحٌ) ; لِقَوْلِ عُمَرَ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ ; وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، كَاشْتِرَاطِ نَقْدٍ مُعَيَّنٍ (لَازِمٌ إِنْ وَفَى بِهِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ) كَاشْتِرَاطِ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ، كَكَوْنِهِ كَاتِبًا أَوْ صَانِعًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ خِلَافُهُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْمُؤَلِّفِ - وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمَنْصُوصُ الْإِمَامِ: أَنَّهُ كَالشَّرْطِ فِيهِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: لَا يُؤَثِّرُ إِلَّا إِذَا اشْتَرَطَتْ فِي الْعَقْدِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَوَاضِعَ، وَاخْتَارَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ كَالشُّرُوطِ.
وَالثَّالِثُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ شَرْطٍ يَجْعَلُ الْعَقْدَ غَيْرَ مَقْصُودٍ، كَالتَّوَاطُؤِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ تَلْجِئَةٌ، لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَيُؤَثِّرُ، وَبَيْنَ شَرْطٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا كَاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ، فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ.
(وَإِنْ شَرَطَ لَهَا طَلَاقَ ضُرَّتِهَا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ صَحِيحٌ) وَهُوَ رِوَايَةٌ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ " و" الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ لَهَا فِيهِ نَفْعًا وَفَائِدَةً، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَتْ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، لَكِنْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: (وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَاطِلٌ) هَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ (لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْأَشْهَرُ مِثْلُهُ بَيْعُ أَمَتِهِ، قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute