وَانْصَرَفَ، وَإِنْ دَعَاهُ اثْنَانِ، أَجَابَ أَوَّلَهُمَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا، ثُمَّ أَقْرَبَهُمَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
«إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا، فَلْيَدْعُ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: «إِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» ؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ يَعْذُرُهُ فَلَا يُؤَدِّي إِلَى كَسْرِ قَلْبِهِ (وَإِنْ كَانَ نَفْلًا) أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى قَلْبِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَقِيلَ: إِنْ جَبَرَ قَلْبَ دَاعِيهِ، وَقِيلَ: يَدْعُو أَوْ يَنْصَرِفُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِعْلَامُهُمْ بِصَوْمِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ تَزُولُ وَيَتَمَهَّدُ عُذْرُهُ (أَوْ كَانَ مُفْطِرًا اسْتُحِبَّ لَهُ الْأَكْلُ) إِنْ شَاءَ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَفِي " الْوَاضِحِ ": ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وُجُوبُهُ، وَفِي مُنَاظَرَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ: لَوْ غَمَسَ أُصْبُعَهُ فِي مَاءٍ وَمَصَّهَا حَصَلَ بِهِ إِرْضَاءُ الشَّرْعِ، وَإِزَالَةُ الْمَأْثَمِ بِإِجْمَاعِنَا، وَمِثْلُهُ لَا يُعَدُّ إِجَابَةً عُرْفًا بَلِ اسْتِخْفَافًا بِالدَّاعِي (فَإِنْ أَحَبَّ دَعَا وَانْصَرَفَ) ؛ لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ» ؛ وَلِأَنَّ الْأَكْلَ غَيْرُ وَاجِبٍ نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَوْلُهُ: فَلْيَطْعَمْ، مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْأَكْلُ لَوَجَبَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بِالصَّوْمِ، بَلِ الْمَقْصُودُ الْإِجَابَةُ (وَإِنْ دَعَاهُ اثْنَانِ أَجَابَ أَوَّلَهُمَا) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبِ الَّذِي سَبَقَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ؛ وَلِأَنَّ إِجَابَتَهُ وَجَبَتْ بِدَعْوَتِهِ فَلَمْ تَزُلْ بِدَعْوَةِ الثَّانِي، وَالسَّبْقُ بِالْقَوْلِ وَقِيلَ بِالْبَابِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُجِيبُ الثَّانِي، وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِإِجَابَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ إِجَابَةُ الثَّانِي مَعَ عَدَمِ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ، لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ إِلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ مِثْلِهِ، بَلْ أَرْجَحُ فَإِنِ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَهُمَا وَجَبَا لِلْأَخْبَارِ (فَإِنِ اسْتَوَيَا أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الدِّينِ لَهَا أَثَرٌ فِي التَّقْدِيمِ بِدَلِيلِ الْأَمَانَةِ (ثُمَّ أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا) وَكَذَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute