قُدُومَهُ، لَزِمَهُ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ أَبَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَطَلَبَتِ الْفُرْقَةَ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضُرِبَتْ لَهُ الْمُدَّةَ لِذَلِكَ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَكُنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمْ يَصِرْ بِالْيَمِينِ عَلَى تَرْكِهِ وَاجِبًا كَسَائِرِ مَا لَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الزَّوْجَيْنِ وَرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُفْضٍ إِلَى دَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ عَنِ الْمَرْأَةِ، كَإِفْضَائِهِ إِلَى رَفْعِهِ عَنِ الرَّجُلِ، وَيَكُونُ الْوَطْءُ حَقًّا لَهُمَا جَمِيعًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ حَقٌّ لَمَا وَجَبَ اسْتِئْذَانُهَا فِي الْعَزْلِ كَالْأَمَةِ، وَشَرْطُ الْمُدَّةِ ثُلُثُ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ فِي حَقِّ الْمُؤْلِي ذَلِكَ، فَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عُذْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ عُذْرِهِ (وَإِنْ سَافَرَ عَنْهَا) لِعُذْرٍ وَحَاجَةٍ سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالْوَطْءِ، وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَفْقُودِ إِذَا تَرَكَ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنَ الرُّجُوعِ فَإِنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إِلَى تَوْقِيتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: بَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَحْرُسُ الْمَدِينَةَ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا وَهِيَ تَقُولُ:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ ... وَطَالَ عَلَي أَنْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهُ
فَوَاللَّهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللَّهِ وَالْحَيَا ... لَحَرَّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ
فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ لَهُ: فُلَانَةٌ زَوْجُهَا غَائِبٌ عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا امْرَأَةً تَكُونُ مَعَهَا، وَبَعَثَ إِلَى زَوْجِهَا، فَأَقْفَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةَ، كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مِثْلُكَ يَسْأَلُ مِثْلِي عَنْ هَذَا؛ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أُرِيدُ النَّظَرَ لِلْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلْتُكِ، فَقَالَتْ: خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَوَقَّتَ لِلنَّاسِ فِي مَغَازِيهِمْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، يَسِيرُونَ شَهْرًا، وَيُقِيمُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَيَرْجِعُونَ فِي شَهْرٍ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ: كَمْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَغِيبَ عَنْ أَهْلِهِ؟ قَالَ: يُرْوَى سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقَدْ يَغِيبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْحَجُّ وَطَلَبُ رِزْقٍ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) يَعْنِي: إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ لَا يَلْزَمُهُ الْقُدُومُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعُذْرِ يُعْذَرُ مِنْ أَجْلِ عُذْرِهِ (فَإِنْ أَبَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَطَلَبَتِ الْفُرْقَةَ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) وَلَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنًى مُؤَّلٍ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا - هَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَذْهَبُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْهُ: لَا يُفَرَّقُ، وَفِي " الْمُغْنِي ": هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ؛ (لِأَنَّهُ لَوْ ضُرِبَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute